١٣٠٧ - وفي رواية لأبي داود والنسائي: عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: «لا تحلفوا بابائكم، ولا بأمهاتكم، ولا بالأنداد، ولا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون».
إذا قيل:«مرفوعا» فهو يعني: معزورا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن السند إذا كان غايته أن يصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فهو مرفوع، وإذا كان غايته أن يصل إلى الصحابي فهو موقوف، وإذا كان غايته أن يصل إلى التابعي فمن بعده فهو مقطوع، وهو غير المنقطع؛ لأن المنقطع من مباحث الإسناد، والمقطوع من مباحث المتن، يقول:«لا تحلفوا بآبائكم» وهذا في الحكم كقوله: «إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم»، حتى بالأم نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يحلف بها مع أنها محل الرأفة والرحمة وحسن الصحبة، «ولا بالأنداد»، «الأنداد»: جمع ند، أي: الأوثان التي تعبد من دون الله مثل: اللات والعزى ومناة وهبل، قال:«لا تحلفوا إلا بالله»، فلا تحلف بقبر فلان، ولا باللات والعزى ومناة، «ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون»، لما نهى عن الحلف بما ذكر بقي الحلف بالله عز وجل فنهى أن نحلف به-سبحانه وتعالى- إلا ونحن صادقون؛ لأن الحلف تأكيد الشيء بذكر معظم، كأن الحالف يقول: بعظمة هذا الشيء عندي وفي قلبي أؤكد هذا الشيء، يعني: المحلوف عليه؛ ولهذا كان الحلف من أكبر ما يدل على تعظيم المحلوف به.
في هذا الحديث فوائد: النهي عن الحلف بالآباء والأمهات، وهل النهي للتحريم؟
الجواب: نعم؛ لأنه هو الصل؛ ولأنه قد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك».
ومن فوائد الحديث: أنه لا يجوز الحلف بالأنداد كاللات والعزى وغير ذلك، فإن حلف فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم للحالف بالأنداد أن يقول بعد ذلك: لا إله إلا الله فقال: «من قال: واللات» -يعني: في يمينه- فليقل:«لا إله إلا الله بعد ذلك». قال العلماء: وفائدته أن تعظيم هذا الصنم شرك، ودواء الشيء يكون ضده بالإخلاص، تقول: لا إله إلا الله، وفي بقية الحديث:«ومن قال: تعال أقامرك فليتصدق» لتمحوا هذه الصدقة الجناية.
فيه أيضا: تحريم الحلف بالأنداد، وذكرنا إن دواء ذلك أن يقول: لا إله إلا الله، لأنه يداوى الشرك بالإخلاص.