ذلك، فهذا يكون كبيرة، والكبائر نفسها تتفاوت كما في حديث أبي بكرة أنبئكم:«ألا أنبنكم بأكبر الكبائر».
وقوله:«اليمين الغموس»، «غموس» فعول، وهي صيغة مبالغة، والغمس بمعنى: ربط الشيء في شيء آخر، وسميت بذلك؛ لأنها تغمس صاحبها في الإثم ثم تغمسه في النار.
قلت:«ما اليمين الغموس ... إلخ»، إذن اليمين الغموس: ما يقتطع بها مال امراء مسلم هو في هذه اليمين كاذب، الشاهد من هذا قوله:«اليمين الغموس».
والاقتطاع نوعان: إما أن يدعي ما ليس له، أو ينكر ما ثبت عليه، أما الأول فظاهر، مثل: أن يقول: هذه السيارة ملكي، فيقول من هي بيده: إنها لي ليست ملكا لك، فيقيم هذا المدعي شاهدا ويحلف معه، وإذا أقام شاهدا وحلف معه حكم له بها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشاهد واليمين، هذا الرجل الآن اقتطع مال امراء مسلم بيمين هو فيها كاذب والذي شهد معه شاهد زور.
الثاني: أن يجحد ما يجب عليه، مثل: أن يقول له شخص في ذمتك لي مائة ريال، فيقول: لا، ثم يحلف بأنه ليس في ذمته له مائة ريال، فحينئذ يكون اقتطع من ماله؛ لأن الأصل: أن ما في ذمة هذا المطلوب للطالب، فإذا أنكره وجحده وحلف عليه فقد اقتطعه.
ففي هذا الحديث فوائد: أولا: حرص الصحابة-رضي الله عنهم- على السؤال والبحث عن الدين، وهذا من نعمة الله عليهم وعلى الأمة: لأن جميع ما يسأل عنه الصحابة يقع أيضا في قلوب الناس من بعدهم فتكون إجابة الصحابي كإجابة ما يرد على القلوب ممن بعدهم.
ومن فوائد الحديث: أن الذنوب تتفاوت كبائر وصغائر، والكبائر أيضا تتفاوت منها السبع الموبقات، وهي أشدها، ومنها ما دون ذلك.
ومن فوائد الحديث: أن اليمين الغموس من كبائر الذنوب وهي التي يقتطع بها مال امراء مسلم، فإن لم يقتطع بها مال امراء مسلم ولكنه كاذب فيها فهل تكون غموسا؟ الجواب: لا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خص اليمين الغموس بالتي يحلفها ويقتطع بها مال امراء مسلم وهو كاذب، ولكن إذا حلف على شيء ماض هو فيه كاذب فهل عليه كفارة؟ لا، لأن الكفارة إنما تكون في اليمين على المستقبل.
وهل من فوائد الحديث: أنه لو حلف على يمين يقتطع بها مال امراء غير مسلم فليست يمينا غموسا؟ نقول: لا، هي يمين غموس إذا كان هذا ممن عصم ماله ودمه لكن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم المسلم؛ لأن ذلك هو الغالب وإلا فمن له حرمة وعصمة كالمسلم.