للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن فوائد الحديث: جواز الاعتكاف بدون صيام؛ لقوله: "أن أعتكف ليلة" والليل: ليس محلاَّ للصيام، وهذه المسألة مختلف فيها.

من العلماء من يقول: إنه لا اعتكاف إلا بصوم، ومنهم من يقول: إنه يصح الاعتكاف بلا صوم؛ لأن كلاُّ منهما عبادة منفردة عن الأخرى فيصح أن يعتكف بلا صوم، وأن يصوم بلا اعتكاف، والثاني: محلُّ إجماعٍ، وأما أن يعتكف بلا صوم فموضع اختلاف، ولكن الراجح أنه ليس بشرط، وأن الإنسان يجوز أن يعتكف بلا صوم.

ومن فوائد الحديث: جواز الاعتكاف في غير رمضان؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أوف بنذرك" ولم يقل: إذا أتى رمضان وهو كذلك، لكن لو قال قائل: هل هذا من السُّنة؟ قلنا: لا ليس من السُّنة أن يعتكف في غير رمضان؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه أنهم كانوا يعتكفون في غير رمضان، ولأن الحكمة من الاعتكاف أو العلة فيه هو تحري ليلة القدر، بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول ثم الأوسط؛ تحريًا لليلة القدر، ثم قيل له: إنها في العشر الأواخر فاعتكف العشر الأواخر، ومعلوم أن هذا لا يكون في غير رمضان إذ إن ليلة القدر قطعًا في رمضان وفي العشر الأواخر منها، وهذا هو الصحيح، أي: أننا لا نأمر إنسانًا ولا نقول: يسنُّ لك أن تعتكف في غير رمضان، وبناء عليه تبيَّن ضعف قول من قال من العلماء: يسنُّ لمن أتى المسجد أن ينوي الاعتكاف مدة لبسه فيه؛ لأنه يقال من أين ذلك؟ أليس النبي صلى الله عليه وسلم يتردد على المسجد كل يوم خمس مرات على الأقل؟ ! والصحابة كذلك هل قال لأحد منهم: إذا أتيت إلى المسجد فانو الاعتكاف؟ وهل كان جاهلاً بهذه السُّنة؟ لا، هل قال لأحد منهم: إذا أتيت إلى المسجد فانو الاعتكاف؟ وهل كان جاهلاً بهذه السُّنة؟ لا، هل كان عالمًا بها وكتمها، لا كل ذلك لم يكن، وعلى هذا فالصحيح أنه لا يسنُّ للإنسان أن ينوي الاعتكاف مدة لبسه بالمسجد وأن الاعتكاف المسنون ما كان في العشر الأواخر.

فإن قال قائل: كيف يقرُّ النبي صلى الله عليه وسلم عمر على أن يعتكف في هذه المدة وليس بمشروط؟ نقول: هذا جرت به العادة من الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد أقرَّ سعد بن عبادة أن يتصدق لأمه بمخرافه بعد موتها، وأقرَّ الرجل الذي قال: يا رسول الله، إن أمي افتلتت نفسها وأظنها لو تكلمت تصدقت أفأ تصدق عنها؟ قال: نعم، وأقر الرجل الذي كان في سرية يقرأ لأصحابه ويختم بقل هو الله أحد، ومع ذلك لم يشرع هذا لأمته، لم يقل: أيها الناس تصدقوا لأمهاتكم بعد موتهن ولم يقل: يا أيها الناس، اختموا القراءة بقل هو الله أحد ولم يكن هو يفعله، ما كان يختم قراءته بقل هو الله أحد، فدلَّ هذا على أن من الأشياء ما يقرُّ عليه الإنسان ولا يقال: إنه مبتدع، ولكنه لا يطلب منه فعل ذلك، وأظن أن بين المرتبتين فرقًا واضحًا؛ لأننا إذا قلنا: إنه سنة دعونا الناس إليه وأمرناهم به، وإذا قلنا: إنه من القسم المباح الذي إذا أراده الإنسان، لم يمنع منه صار من الأمور المباحة، ولكنه ليس من الأمور المشروعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>