ينبغي؛ لأن الناس لابد لهم من قضاة فإذا تهرب أهل القضاء الذين هم أهله حقُّا تولاه من ليس بأهل له ففسدت الدنيا والدَّين.
ثم أنه قد يقول القائل: الناس تغيرت وكثرت الحيل وكثر الكيد وهذا يشق علينا؟
جوابنا على ذلك ما ذكرناه: أولاً: أن تجتهد في تحري الحق، فإن أصبت فلك أجران، وإن أخطأت فلك أجر واحد.
ثم إنه ينبغي للقاضي أن يكون عنده فراسة ومعرفة بأحوال الناس؛ لأن هذه تخدمه كثيرًا، قد يتحاكم اثنان وظاهر الحال مع الأول، ولكن بالفراسة ومعرفة الأحوال يكون الحق مع الثاني، لهذا ينبغي للقاضي أن يكون لديه فراسة حتى يصل إلى الحق، وما قصه سليمان وداود بغريبة عليكم في قصة المرأتين اللتين خرجتا فأكل ولد إحداهما الذئب فاختصمتا إلى داود فقضى به للكبرى اجتهادًا منه بناءً على أن الصغرى شابة وأمامها سنوات ويأتيها أولاد- إذا أراد الله- خلاف الكبرى، فخرجتا فقصتا على سليمان فقال: أشقه بينكما نصفين، فقالت الصغرى: هو لها يا نبي الله، أما الكبرى فوافقت حتى يلحق هذا بابنها ويهلك كما هلك ابنها الذي أكله الذئب، فقضى به سليمان للصغرى. وهذه من الفراسة.
ويذكر عن قضاة من السلف ومن الخلف أيضًا أشياء غريبة في الفراسة؛ ولهذا أتمنى أن يتتبع أحد من الناس مثل هذه القصص وتؤلف في مؤلف وتوزيع بين القضاة حتى يستعينوا بها على تحرى الحكم والحق.
على كل حال: القضاء إذن حكمه فرض كفاية وإذا لم يوجد أهل سوى واحد تعين عليه، وهو من أفضل الأعمال وأجل الطاعات وأعلى الولايات، حتى إن الحاكم القاضي يحكم حتى على الأمير والسلطان لأنه حاكم قاضٍ يقضي بشرع الله، ثم إنه يتأكد في زمننا هذا أن يتولى العلماء لشريعة الله مناصب القضاء؛ لأنه كثر التحاكم الآن إلى الطاغوت- وهو القانون المخالف للشريعة- وصار كثير من الناس اليوم- ولا أقول أكثر الناس- يعتمدون على القوانين المكتوبة ويخافون إن حكموا بخلافها أن ترد أحكامهم أو أن توضع فوق رءوسهم علامة الاستفهام، ولكن الواجب على الإنسان أن يقول الحق، قال تعالى:{يأيها الذين امنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين}[النساء: ١٣٥]، ثم ذكر المؤلف حديث بريدة فقال: