هذا حديث يدل على فوائده: أولاً: أنه يجب على الإنسان أنه يبذل الجهد في الحكم لينال الأجر، إما الأجرين وإما الأجر الواحد، وذلك مأخوذ من قوله:«فاجتهد».
ومن فوائد الحديث: أن المصيب واحد، ولا يمكن أن يصيب اثنان الحق في قولين مختلفين، وعليه فأي العبارتين أصح: لكل مجتهد نصيب، أو كل مجتهد مصيب؟ الأولى: لكل مجتهد مصيب صحيحة، لكن الثانية: كل مجتهد مصيب خاطئة، لكن لها وجه؛ لأنها صدرت من العلماء فلها وجه، فيكون توجيهها كالآتي: كل مجتهد مصيب في اجتهاده وفي بذل الجهد، وليس معنى ذلك أنه مصيب للحق؛ لأننا لو قلنا: إنه مصيب للحق لكان هذا في الحديث خطأ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قسم المسلمين المجتهدين إلى مصيب ومخطئ، ولا يمكن أن نقول فيما قسمه الرسول صلى الله عليه وسلم: إنه لا ينقسم إلا إلى قسم واحد.
ومن فوائد الحديث: أن الإنسان إذا اجتهد فيما هو ولي عليه وأخطأ فلا شيء عليه ينبني على ذلك حكم الحاكم إذا تبين له أنه أخطأ فلا شيء عليه.
مثاله: لو أنه رفعت إليه قضية في المواريث كالمشركة -وهي معروفة عندكم- وهي امرأة هلكت عن زوج وأم وأخوين من أم وإخوة أشقاء، فالقسمة من ستة: للزوج النصف ثلاث وللأم السدس واحد وللأخوين من أم الثلث اثنان والإخوة الأشقاء لا شيء لهم.
دليل هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم:«ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر» ونحن ألحقنا الفرائض بأهلها ولم يبق شيء فيقال للإخوة الأشقاء: لا شيء لكم بما دل عليه الحديث، حكم هذا القاضي بالتشريك بين الأخوة الأشقاء والإخوة لأم وقال: الثلث بينكم أيها الإخوة بالسوية كميراث الإخوة من الأم، ثم إنه بعد أن حكم وأخذ أهل الحق حقهم واشتركوا في التركة حصلت قضية أخرى مشركة، فحكم بان الإخوة الأشقاء ليس له شيء بناء على أن الدليل تبين له أنه لا شيء للإخوة الأشقاء فهل عليه إثم حيث ضر الإخوة لأم في الحكم الأول؟ لا؛ لأنه حكم عن اجتهاد، هل يلزمه أن ينقض الحكم الأول؟ لا، لا يلزمه، الحكم الأول مضى، وكما قال أمير المؤمنين: -إن صح عنه- ذاك على ما قضينا، وذاك على ما نقضي، الحكم الأول ذهب وانتهى، والحكم الثاني حسب الاجتهاد، واجتهاده قد تغير، فليس عليه إثم لا في الأول ولا في الثاني؛ لأنه مجتهد، ونحن قلنا فيمن ولي عليه ليشمل القاضي كما مثلنا وكذلك المفتي.