الإرسال، ومن قوله تعالى:{ولقد بعثنا في كل أمة رسولا}[النحل: ٣٦]. أي: أرسلنا، وقوله:"في حاجة" لم يبينها إما لأن الذي ينبغي للإنسان المرسل في حاجة - لاسيما من ولاة الأمور- ألا يبينهما؛ لأنها قد تكون من الأسرار التي ينبغي اطلاع الناس عليها، أو لسبب من الأسباب، "فأجنبت" أي: أصابتني جنابة، وجنابة تكون في واحد من الأمرين: إما بالجماع، وإما بالإنزال، والظاهر أنها كانت بالاحتلام، أعني: التي وقعت من عمار بن ياسر.
قوله:"فلم أجد الماء" وذلك بعد طلبه، قال العلماء: إن نفي الوجود لا يكون إلا بعد الطلب، وقد يكون تعبيره بقوله:"لم أجد الماء" فإنه هو أعلم بأنه ليس حوله ماء، فيصح ان يقول:"لم اجد الماء" وإن لم يطلبه.
"فتمرغت في الصعيد" أي: تقلبت، يعني: على الجنبين الأيمن والأيسر، والبطن والظهر، "كما تتمرغ الدابة" وهاذ التشبيه للبيان، وليس للتقبيح، لأنه لا يمكن أن يأتي بتشبيه للتقبيح، وهو من فعل نفسه وهو أيضا بإقامة عبادة، لكنه للبيان لئلا يظن الظان أنه تمرغ في بعض جسده بل في كله "كما تتمرغ الدابة ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك" أي: ذكر أنه أصابته الجنابة، وأنه تمرغ كما تتمرغ الدابة بناء على أن طهارة التراب كطهارة الماء، فكما أن الماء يعم جميع البدن فكذلك طهارة التيمم هكذا قال.
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"إنما يكفيك أن تقول: بيديك""يكفيك" أي: عن التمرغ، ويحتمل أن المعنى: يكفيك عن الاغتسال الذي تمرغت من أجله أن تقول بيديك هكذا، هنا أطلق القول وأراد به الفعل؛ لأن اليد لا تقول القول باللسان، لكن قد يطلق القول ويراد به الفعل، "بيديك هكذا" ثم فسر هذا المجمل، "ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة، ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه". قوله:"مسح الشمال على المين" يعني هكذا، وظاهره أنه على كل الكف ظاهره وباطنه؛ ولهذا قال:"وظاهر كفيه". إذن مسح الشمال على اليمين من الباطن، وظاهر كفيه من الظاهر، "ووجهه" يعني: ومسح وجهه.
وفي رواية للبخاري:"وضرب بكفيه الأرض" ولكنها لا تعارض رواية مسلم؛ لأن اليد إذا أطلقت فالمراد بها: الكف، وإذا قيدت بما قيدت به. فإذا قيل: يده إلى الكتف صارت اليد كل العضو، وإذا قيل: يده إلى المرفق صارت إلى المرفق، يده فقط صارت الكف، ولهذا لما قال الله تعالى:{والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما}[المائدة: ٣٨]. صار المراد بذلك: الكفين فقط، "وضرب بيديه الأرض ونفخ فيهما" وكأنه - والله أعلم- علق بهما تراب كثير فنفخ ليتساقط بعض ما علق ثم مسح بهما وجهه وكفيه.
في هذه الرواية للبخاري زيادة النفخ: نفخ فيهما"، وفيه أيضا: سياق مخالفة الترتيب، فإن