عن الأنظار أو لم يحتجب، ولكن منع لأن كلا احتجاب سواء احتجب عن الأنظار بأن جعل بينهم وبين الناس بابا، أو احتجب بالمنع، بأن كان جالسا على كرسيه لكن يمنع الناس أن يقربوا إليه فهذا محتجب في الواقع؛ لأنه لا يصل الناس إليه بحاجتهم.
وقوله:"عن حاجتهم" أي: حاجة المسلمين سواء كانوا أغنياء أم فقراء، وأما قوله و "فقيرهم" أي: فيما يحتاج إليه الفقير، وإنما نص عليه؛ لأن من الولاة من يحتجب عن الفقراء ولا يحتجب عن الأغنياء، كما هو عادة بني إسرائيل، فإنهم يقدمون الأغنياء والشرفاء، حتى إنهم لا يقيمون عليهم الحدود، وأما الفقراء ومن لا وجاهة له فيقام عليه الحد، العقوبة أن الله يحتجب دون حاجته فلا ييسر أمره ولا يقضي حاجته.
ففي هذا الحديث: وعيد على من احتجب عن حاجة المسلمين وفقرائهم وأمورهم إذا كان الله تعالى قد ولاه عليهم؛ لأن الله إذا ولاه عليهم، فهذا عهد وميثاق من الله أن يقوم بحاجتهم، ولولا أنه أهل لذلك لما ولاه على هذا، ولكن إذا احتجب لم يكن أهلا.
ففي هذا الحديث فوائده أولا: أن الإنسان مدبر لا يستقل بأمره، لقوله:«من ولاه الله»، ففيه رد على القدرية الذين يقولون: إن الإنسان مستقل بعمله ولا علاقة لله به، ولا يعلم الله من عمل العبد إلا ما أظهره فقط أما ما لم يظهر فلا شأن لله فيه، ولكن هذا الحديث يرد عليهم.
ومن فوائد الحديث: وجوب بروز الإنسان للمسلمين لقضاء حوائجهم إذا كان وليا عليهم، ودليل الوجوب الوعيد على الاحتجاب.
ولكن لو قال قائل: هل هذا الحديث يشمل كل وقت، بمعنى: لو جاء الناس إليه وهو في فراشة في ليلة باردة وقد أخذه الدفء ثم قرعوا عليه الباب وقالوا: اخرج؟ لا؛ لأنه لأنه يقال هنا: لم يحتجب عن حاجتهم؛ لأن الله يقول:{لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}[البقرة: ٢٨٦]. ولكن يجب أن يكون للولي، أوقات معلومة تكون مناسبة للناس يراجعونه فيها ثم بعد ذلك يحتجب لقضاء حاجاته أو يحتجب للاستعانة على قضاء حاجتهم؛ لأنه لو يبقى لا ينام ولا يأكل هلك ولم يقض حاجتهم.
ومن فوائد الحديث: أن الجزاء من جنس العمل؛ لأنه لما احتجب عن المسلمين احتجب الله دون حاجته.
ومن فوائده: التخصيص بعد التعميم، ولكن هذا لا يكون إلا لسبب، هنا التخصيص بعد التعميم في قوله:"عن حاجتهم عموما وفقيرهم خصوصا"، وإنما نص عليه؛ لأن من الولاة من لا يحتجب عن الأغنياء ويحتجب عن الفقراء.
المهم: أن لدينا قاعدة: لا يمكن أن ينص على خاص بعد عام إلا وهناك مزيد عناية