مثال ذلك: رجل ادعى على شخص بألف ريال وأقام شاهدا، والشاهد يعلم أن المدعي كاذب ولكنه شاهد؛ لأن المدعي صاحب له، فالشهادة هنا شهادة زور لا شك، لأنه شهد بما بعلم أنه باطل.
ومن شهد بما لا يعلم مثل أن يدعي شخص أنه سلم فلانا مائة ورقة في ظرف وعنده شخص آخر يشهد أنه أعطاه الظرف لكن لا يدري ما الذي في الظرف هل هو دراهم أو رسائل أو خرق؟ لا يدري، ولكنه لما أقيمت الدعوى شهد بأنه أعطاه ظرفا فيه الدراهم فهذا شهد شهادة زور؛ لأنه لا يعلم ما في هذا الظرف فتكون شهادته شهادة زور.
وأما من شهد بالشيء الذي يعلمه على الوجه الذي يعلمه فهذا شهادته شهادة حق، إذن شهادة الزور من أكبر الكبائر لما يترتب عليها من إتلاف الأنفس والأموال والأبضاع والأعراض؛ لأن شاهد الزور لا تقتصر شهادته على أن يشهد بدرهم أو بدرهمين، ولكنه قد يشهد بما يؤدي إلى الرجم، قد يشهد بما يؤدي إلى قطع اليد، قد يشهد بما يؤدي أن ترد شهادة المشهود عليه، فلذلك كانت شهادة الزور من أكبر الكبائر، وعظم النبي صلى الله عليه وسلم شهادة الزور بأمرين: بالقول والفعل، أما القول؛ فلأنه كررها حتى تمنى الصحابة أنه سكت، وأما الفعل فكان متكئا فجلس، وهذا يدل على تعظيم الأمر، أرأيت لو أن شخصا دخل عليك في البيت وأنت متكئ وأنت تعظمه ألست تقوم وتقعد لعظم من ورد عليك؟ لكن لو دخل عليك ابنك الصغير وأنت متكئ لا تهتم له، فكون الرسول صلى الله عليه وسلم متكئا فيجلس يدل على عظم الأمر وهو كذلك لما يترتب على هذه الشهادة من العظم.
في هذا الحديث فوائد: أولا: ما ذكره المؤلف رحمه الله من أن شهادة الزور من أكبر الكبائر.
ثانيا: أن الذنوب كبائر وصغائر، فما هو حد الكبيرة؟ اختلف العلماء في ذلك، منهم من عد الكبائر عدا ولم يذكر لها حدا، ومنهم من ذكر لها حدا، واختلفوا أيضا فقيل: ما ختم بلعنة أو غضب أو نفي إيمان فهو كبيرة، وما لم يختم بذلك فهو صغيرة.
وذكر شيخ الإسلام رحمه الله في بعض كلامه: أن ما رتبت عليه العقوبة الخاصة فهو كبيرة؛ لأنه خص بذكر العقوبة، وما ذكر التحريم فيه أو الكراهة بدون أن تذكر له العقوبة فهو من الصغائر.
ومن فوائد الحديث: أن الكبائر تختلف، فيوجد كبائر دون الأكبر لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«ألا أنبئكم بأكبر الكبائر».
ومن فوائد هذا الحديث: أن شهادة الزور من أكبر الكبائر كما ذكر، لكن أعدناها لما يترتب عليها من التحذير من شهادة الزور.
فإذا قال قائل: هل يجوز أن أشهد بما دلت القرينة عليه أو أشهد بالقرينة فقط؟