تكون المناداة من غير الله عز وجل، وأيد حديثه بقوله:"إن الله يأمرك"، ولم يقل: إني آمرك، ولكن هذا تحريف؛ لأن الرواة باللفظ المتواتر:"فينادي بصوت"، وأيضا لفظ الحديث في آخره:"قال: يارب، وما بعث النار؟ " وهو صريح في المخاطبة.
المهم: قوله: "فينادي بصوت" فإن قوله: "بصوت" توكيد لمعنى النداء؛ لأن النداء لا يكون إلا برفع صوت إذن كلام الله بحرف وصوت خلافا لقول الأشاعرة الذين قالوا: إن الله لا يتكلم بحرف وصوت، وإنما كلامه هو المعنى القائم بنفسه وهو أزلي لا يقبل الحدوث أبدا، وبناء على قولهم لا فرق بين العلم والكلام، لأن الكلام عندهم هو المغنى القائم بالنفس، ولا يمكن أن يتجدد ولا يحدث ولا يتعلق بمشيئة.
إذا كيف نجيب عما يسمعه الأنبياء الذي يوحى إليهم ويكلمهم؟ قالوا: إنه يخلق أصواتا تعبر عما كان في نفسه فيسمعه المخاطبون، وهذا تحريف، وهو يؤدي إلى فساد أبلغ من فساد الجعمية والمعتزلة؛ لأن الكل يقولون: إن ما يسمع مخلوق، لكن المعتزلة يقولون: هو كلام الله، وهؤلاء الأشاعرة يقولون: ليس كلام الله، بل هو عبارة عنه؛ ولهذا كانوا أبعد عن الصواب من المعتزلة في هذه المسألة؛ لأن أولئك يقولون هذا كلام الله تعالى خلقه وسمع، وهم يقولون: لا، لم يكن كلام الله ولكنه عبارة عنه.
ومن فوائد الحديث: إثبات يوم القيامة، والإيمان به أحد أركان الإيمان السنة وهو معروف.
ومن فوائده: إثبات النظر لله لقوله: "ولا ينظر إليهم"، ووجد الدلالة: أن نفي النظر عن هؤلاء دليل على إثباته لغيرهم، كما استدل الإمام الشافعي رحمه الله في قول الله تعالى:{كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون}[المطففيين: ١٥]. قال: لم يثبت الحجب لهم وإلا وهو يراه من سواهم.
ومن فوائد الحديث: إثبات تزكية الله للعبد، وهذا ثابت حتى في القرآن، قال الله تعالى:{ولكن الله يزكى من يشاء}[النور: ٢١]. فمن الذي زكاه الله؟ الذي زكاه الله تعالى هو المتقي لقوله تعالى:{إن أكرمكم عند الله أتقاكم}[الحجرات: ١٣]، فكل فكل من كان أتقى لله كان أشد تزكية من الله تعالى.
ومن فوائد الحديث: إثبات العذاب وأنه عذاب ليس بالهين بل هو عذاب مؤلم لقوله: "ولهم عذاب أليم".
ومن فوائده: بذل فضل الماء لمن احتاجه إذا كان على طريق، وجه الدلالة على الوجوب: هو الوعيد على المنع، فإذا ثبت الوعيد على المنع ثبت الوجوب في البذل.
ومن فوائده: أن الإنسان إذا كان محتاجا إلى الماء فله أن يمنع غيره منه، يؤخذ من قوله: