الفقهاء يقولون: نعم، يمكن أن يلحق الأبوين جميعا، لكن الأطباء يقولون: لا، لا يمكن أن يلحق بأبوين، فهل نرجع إلى كلام الفقهاء المبني على النظر أو نرجع إلى كلام الأطباء المبني على المحسوس؟
هذه ما لنا بها دخل، المهم: العمل بالقيافة، وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرها وسر بها، ولا يقر على باطل، ولا يسر بباطل.
فإذا قال لنا قائل: عن شخص مشتبه بنسبه قال: هذا ولد فلام ولم يدعيه أحد فهل يحكم له به؟ الجواب: نعم، يحكم له به ما لم يكذبه الحس، فإن كذبه الحس فإنه لا يحكم له به، مثل أن يقول: هذا ولد فلان، وللغلام خمس سنوات وللآخر ثماني سنوات هذا لا يمكن، وهل يلحق بالنسب غيره؛ بمعنى: لو أن القائف حكم بشيء من الأموال أو من الحقوق فهل يلحق بالنسب؟
في هذا خلاف بين العلماء، منهم من قال: إنه يلحق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما حكم بالقيافة لأنها دليل ليس لأنها حكمت بنسبه، والدليل يكون في كل شيء.
ومنهم من قال: إنه لا يكون إلا في النسب؛ وذلك لأن الشارع له تشوف لثبوت الأنساب، لكن العمل الآن على الأول أنه يعمل بالقيافة، لكنه يؤخذ الإنسان ويقرر حتى يقر، فلو قال القائف: هذا الأثر قدم فلان فإنه يحكم بذلك، ويؤتى بالرجل ويقرر، ولا يقال: إننا لا نلفت لقول القائف إطلاقا.
ولقد حدثني بعض القافة أنه إذا رأى قدم إنسان فكأنما رأى وجهه وإن لم يوجد التباس حتى إنه يقول: وإن لم أكن أعرفه، وهذه غريبة، والقافة أيضا يعرفون أثر البعير إذا كانت كبيرة أو صغيرة أو حاملا أو غير حامل، بل إنهم يصلون إلى اللون، يعرفون اللون وهذا شيء غريب، لولا أنهم يستفيدون بالأمور المحسوسة لقلنا: إنهم يدعون الغيب وليس كذلك.
وكان في هذا البيت قائف يجيد القيافة تماما فتسلق رجل سارق الجدار وسرق وكان من أقارب أهل البيت، بمعنى: أنه تبعد تهمته، فجاء هذا القائف فرأى إبهامه في الجدار -لما أراد أن يتسلق أثر إبهام رجله في الجدار -فقال لمن معه- وكان الذي معه خدم الأمير-: انصرفوا عرفنا الرجل، بماذا؟ بإبهام رجله، فذهب القائف إلى صاحبه وقال: يا فلان، لماذا تسرق من أقاربك -أرحامك وأنسابك- يعني: بالقرابة وليس بالمصاهرة؟ قال: لم أسرق قط! من قال لك أني سرقت؟ ! ما سرقت، قال: على كل حال أنا علمتك، أعطني السرقة لأردها وهذا المطلوب، وإلا ما عندي في أنك أنت السارق، فلما تبين الأمر أعطاه المسروق.