للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا يخرج ما أرسله الصحابي الذي لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه مرسل، فلو أن محمدا بن أبي بكر رضي الله عنه رفع حديثا إلى الرسول - عليه الصلاة والسلام- فهو مرسل؛ لأن محمدا إنما ولد في عام حجة الوداع فلا يمكن أن يسمع من الرسول صلى الله عليه وسلم.

المعنى الثاني: إذا رفعه التابعي - يعني: بأن حذف الصحابي - مثل أن يروي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أو علقمة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فهاذ يسمى مرسلا، وهذا هو المرسل الخاص الذي يتكلم عنه أهل الاصطلاح.

وقد يطلق المرسل على ما سقط منه واحد من سنده، ولو كان في أثناء السند، وهذا هو المعروف عند أهل أصول الفقه يرون أن المرسل هو الذي سقط منه راو في متصل السند.

على كل حال: المرسل بهذا، وهذا من أقسام الضعيف حتى نعلم من الساقط، وحينئذ نحكم على الحديث بعد معرفة الساقط بما يقتضيه من ضعف أو صحة.

قوله: "وللترمذي عن أبي ذر نحوه وصححه" قال: إنه صحيح، لكنه من رواية أبي ذر، فيكون بذلك شاهدا للحديث، ومن المعلوم انه إذا كان الضعيف يسيرا وصار له شاهد فإنه يقوى به، فيقال: هذا الحديث لو قدرنا أن سنده ضعيف، فإن قواعد الشريعة تشهد له؛ لأن الله إنما أباح التيمم عند عدم الماء بدون تقييد، ما قال: "ما لم تجدوا ماء" بدون سنة أو سنتين أو أكثر أطلق، وأيضا قيد هذا بعدم وجود الماء، فيدل بذلك على أنه من وجد الماء وجب استعماله، فهذا الحديث وإن لم يصح باعتبار السند فهو صحيح باعتبار المعنى، وهذه فائدة ينبغي للإنسان أن يتفطن لها؛ لأن المرسل إذا قوي بشهادة قواعد الشريعة له صار حجة، وكذلك إذا قوي بقبول العلماء له فإنه يكون حجة.

ففي هذا الحديث فوائد: أولا: جواز التيمم من جميع الأرض؛ لقوله: "الصعيد وضوء المسلم" بدون تقييد.

ومن فوائده: أن التيمم يقوم مقام الماء بقوله: "وضوء"؛ والوضوء هو ما يتوضأ به الإنسان الذي يجد الماء؛ وهذا هو القول الراجح وقد بيناه فيما سبق، وقلنا: إن التيمم إذا تعذر استعمال الماء يقوم مقامه في كل شيء حتى لو تيمم لنافلة فله أن يصلي فريضة، ولو تيمم لقراءة القرآن فله أن يصلي فريضة؛ لأنه يقوم مقامه من كل وجه.

ومن فوائد هذا الحديث: أنه متى تعذر استعمال الماء ولو طال الزمن فإن التيمم جائز لقوله: "وإن لم يجد الماء عشر سنبن".

ومن فوائد هذا الحديث: جواز استعمال المبالغة في الكلام، وإذا وقع الكلام على سبيل المبالغة قلة أو كثرة فلا مفهوم له، وهذا موجود في القرآن وفي السنة، قال الله تعالى: {فمن

<<  <  ج: ص:  >  >>