للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العالي؛ لأنك إذا نظرت إلى العالي احتقرت نعمة الله عليك، بل انظر إلى من دونك، ولنفرض مثلاً أن نظرك ضعيف لا يتجاوز عشرين مترا، ويوجد من نظره لا يتجاوز عشرة أمتار، ويوجد من نظره يتجاوز مائة متر، الذي فوقك الآن هو الذي يتجاوز مائة متر ودونك عشرة أمتار وأنت بينهما، إن نظرت إلى الأعلى ستقول: الله ما رزقني، مثل هذا وأعطاني أقل فتزدري نعمة الله عليك في هذا البصر، إذا نظرت للثاني قلت الحمد لله، أعطاني الله خيرا منه فعرفت قدر نعمة الله عليك وشكرته على ذلك، في العلم رأيت شخصا عنده حافظة قوية وذاكرة قوية وفهم قوي، وإنسان تُحفظه اليوم سطرا واحدا وقبل أن يبرد مجلسه من سخونته إذا قام منه وجدته ناسيا وأنت يبقى العلم معك لمدة ساعتين أو ثلاثة أو أربع أو خمس ساعات، إن نظرت إلى الذي يبقى الحفظ معه شهرين أو سنتين قلت: ما عندي شيء، وإن نظرت للثاني قلت: الحمد لله عندي خير متين يتبين لك نعمة الله؟

إذا نظرت إلى من دونك في الأخلاق كذلك وجدت إنسانا في غاية ما يكون الأخلاق، صدره منشرح، وجهه طليق كلامه طيب، دائم البشر دائم التبسم، وآخر - أعوذ بالله- وجه عبوس قمطرير لا يريد أحد يتكلم وأنت بالوسط تنظر إلى من؟

إلى الأسفل، لو وجدت إنسانا كثير العبادة من صلاة وصدقة وصوم وبر الوالدين وصلة رحم، وإنسانا دون ذلك أي: مهمل وأنت بينهما تنظر إلى من؟ تنظر إلى الأسفل؛ لأن نعمة الله فى الدين أقوى وأشدُ فضلاً من نعمة الدنيا تقول: الحمد لله الذي هداني أنا في خير، لكن هذا لا يمنعك أن تستبق الخيرات لا تقول: قف مكانك، بل اسع في الخير، لكن من حيث النعمة لا تنظر إلى من هُوَ أعلى منك؛ لأنك إن نظرت إلى من هو أعلى منك تقول ما أنعم الله على، وأما تفريق بعض العلماء بين أمور الدين والدنيا ففيه نظرا؛ لأن الحديث عام والإنسان يغبط الشخص الذي أعطاه الله تعالى قوة في الدين وفعلاً للخيرات وتركا للمنكرات من إنسان دون ذلك ولا يرى أن الله أنعم عليه كما أنعم على الآخر العالم، فالرسول (صلى الله عليه وسلم) أرشدنا إلى هذه النظرية بالإضافة إلى نعمة الله علينا ليس بالإضافة إلى فعلنا، حَتّى فى أمور الدُّنيا، إذا رأيت إنسانا أنعم الله عليه بخلق طيب وإنسانًا بالعكس ألا يجدر بك أن تكون مثل الأول، حَتَّى الإنسان الذي أنعم الله عليه بالمال ربما يقول: أنا أسعى لطلب المال لعل الله يوفقني كما وفق الآخر، على كل حال إذا كان المقصود النظر إلى ما أنعم الله به من مال وبنين وعلم وعمل وعبادة بالنظر إلى إضافته إلى الله فانظر إلى من هُوَ أسفل مطلقا حَتَّى تعرف قدر نعمة الله عليك بأن الله فضلك على من دونك، لكن لو نظرت إلى الأعلى فلابد أن تزدري النعمة وتنتقصها وتقول: الله ما أعطانى شيئا الله، من على هذا بالمال والعبادة وأنا محروم، لكن هذا لا يمنع أن نقول: استبق الخبرات، انظر إلى فعلك أنت مقصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>