المسلم: إذن فالعاطس مسلم، فإذا عطس المسلم وقال: الحمد لله، فليقل له أخوه: يرحمك الله، يرحمك الله هذه جملة صيغتها صيغة الخبر، لكنها بمعنى: الطلب، أي: بمعنى الدعاء فقولك يرحمك الله، مثل قول: اللهم ارحمه، وقوله:"يرحمك الله" الرحمة بها حصول المطلوب وزوال المكروه، فإن قرنت بالمغفرة صار بها حصول المطلوب، وبالمغفرة زوال المكروه؛ لأن المغفرة في مقابل الذنب، "فإذا قال له: يرحمك الله فليقل له" أي: العاطس يقول لأخيه: "يهديكم الله ويصلح بالكم"، قوله:"يهديكم" أيضًا خبر بمعنى: الطلب، والهداية هنا تشمل الهدايتين: هداية الدلالة، وهداية التوفيق، فإذا قلت لأخيك: يهديكم الله، أي: يرشدكم بالعلم ويوفقكم للعمل ويصلح بالكم، أي يصلح شأنكم، أي: أمروكم، وهو عام لأمور الدين وأمور الدنيا، وبالتأمل لما أمامنا نجد أن المجيب أجاب بأحسن أو بأكثر مما دعي له به، حيث قيل له: يهديكم الله ويصلح بالكم.
من فوائد الحديث: أولاً: مشروعية الحمد لله عند العطاس؛ لقوله:"فليقل" واللام هنا للأمر وهل هذا واجب أو سنة؟
جمهور العلماء على أنه سنة وقال بعض أهل العلم: إنه واجب لأنه في مقابل نعمة من الله عليك ولأن الإنسان إذا لم يحمد عوقب بحرمانه من الدعاء أي: أنه إذا لم يحمد الله فلا تقل له: يرحمك الله، وهذا يدل على وجوب قول الحمد لله؛ لأنه لا تعزيز إلا على ترك واجب، والقول بالوجوب قوي لكن يشكل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إذا عطس أحدكم وحمد الله فشمته» كما مر علينا في أول حديث، فهذا يقال: إن ظاهر قوله وحمد الله يدل على أن العاطس قد وسع له أن يحمد الله وألا يحمد الله.
ومن فوائد الحديث: أن العطاس من نعم الله عز وجل ولهذا شرع الحمد عليه كما شرع الحمد على الأكل قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة ويحمده عليها»، فإن قال قائل: وهل مثل ذلك الجشاء؟
فالجواب: لا، مع أن الجشاء خروج ريح، لكنه لا يشرع له الحمد، وذلك لأن الجشاء كان موجودًا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ومع ذلك لم يشرع للأمة أن يحمدوا الله عنده والقاعدة الشرعية أن كل شيء وجد سببه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يتخذ فيه سنة فتركه أي: ترك الكلام عليه هو السنة وعلى هذا فالسنة ألا تحمد عند التجشي خلافًا لكثير من العامة، فإن كثيرًا من العامة إذا تجشأ قال: الحمد لله، نعم، لو فرض أن هذا التجشي على خلاف العادة بأن يكون الإنسان قد