«إنك لست مما يفعل ذلك خيلاء»، وإن كان عن قصد وليس خيلاء فعليه عقوبة لكنها دون انتفاء النظر وهي قوله صلى الله عليه وسلم:«ما أسفل من الكعبين ففي النار»، وهذه عقوبة ليست كعقوبة انتفاء النظر بل هي أقل وأهون لأن هذا يقتضي أن يكون عذابه على ما حصل فيه المخالفة وهو ما كان أسفل الكعبين. إذن لدينا ثلاث حالات: الحال الأولى: أن يكون فوق الكعبين وهذا جائز، وأكمله أن يكون إلى نصف الساق، الثانية: أن يكون أنزل من الكعبين لغير خيلاء فهذا حرام بل من الكبائر، لكن العقوبة عليه أخف من العقوبة على من جر ثوبه خيلاء؛ لأنه يعذب قدر ما حصل من المخالفة، الثالثة: أن يجره خيلاء فهذا هو الذي عليه هذا الوعيد الشديد أن الله تعالى لا ينظر إليه، وفي حديث أبي ذر الذي رواه مسلم:«ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم» فذكر ثلاث عقوبات أن لا يكلمهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم إضافة أنه لا ينظر إليهم، قالوا: من هم يا رسول الله خابوا وخسروا، قال:«المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب»، فإن قال قائل: ألا يمكن أن نقيد حديث «ما أسفل من الكعبين ففي النار» بحديث لا ينظر الله على من جر ثوبه خيلاء فالجواب لا يمكن؛ لأن المسألة هذه فيها اختلاف العملين واختلاف الحكمين وإذا اختلف العملان والحكمان فلا تقييد لأحدهما بالآخر؛ لأنه لو قيد لزم تكذيب أحدهما بالآخر وإنما يقيد إذا كان الحكم واحدًا وإن اختلفا في السبب، وعلى هذا فنقول: لا تقييد وأن ما أسفل من الكعبين ففي النار سواء كان خيلاء أو غير خيلاء؛ لأنك لو قيدته بأنه ما كان أسفل من الكعبين ففي النار إذا كان خيلاء تناقض الحديثان، كيف ذلك؟
هذا يقول: لا ينظر الله إليه، وهذا يقول: ما أسفل من الكعبين ففي النار، وإذا كان يختلف الحكم تعذر أن نحمل أحدهما على الآخر، إذ إنه يلزم منه التناقض بين الخبرين، ووجه ذلك ما ذكرت، لكن الآن ما أسفل من الكعبين ففي النار، العمل نزول الثوب عن الكعبين لغير خيلاء، ثانيا: الحكم في النار، من جره خيلاء هذا عمل غير الأول هذا جره خيلاء، الحكم: لا ينظر الله إليه: لو قلت: ما أسفل من الكعبين المراد إذا كان خيلاء معناه أن أحد الخبرين صار غير صحيح مناقض للآخر؛ لأن جزاء ما كان أسفل من الكعبين النار فقط ولم ينتف عنه النظر، وجزاء من جره خيلاء انتفاء النظر وهذا أشد، وعلى هذا فلا يمكن أن يقيد أحدهما بالآخر، بل كل واحد منهما عمل مستقل وعقابه مستقل، يستثنى