للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رضاهما في رضا الله؟ لا، إذن المراد رضا الوالدين إلا فيما يسخط الله، فإن رضا الله مقدم على رضا الوالدين.

ومن فوائد الحديث: إثبات الرضا لله عز وجل، وأنه صفة حقيقية وهي غير رضانا، وهذا الذي عليه السلف الصالح وأهل السنة والجماعة، أي: أن الله تعالى يرضى ويغضب ويكره ويحب وأن هذه صفات كلها حقيقة، لكن من المعلوم أنها لا تشبه رضا المخلوقين أو محبة المخلوقين؛ لأنهما أكمل، وقد قال الله تعالى: {ليس كمثله شيء} [الشورى: ١١].

ومن فوائد الحديث: التحذير من سخط الوالدين؛ لأن ذلك سبب لسخط الله، فإن قال قائل: إذا سخطا شيئًا فيه مصلحة للابن، وليس فيه مضرة عليهما، فهل المرتضى هنا اتقاء سخطهما ولو خسر الولد هذه المنفعة أو بالعكس؟ يعني لو سخطا شيئًا فيه منفعة للولد في دينه أو دنياه، قالا: لا تفعله، مثل ما يفعله الآن بعض الناس يقول لولده: لا تطلب العلم، لا تتبع الشباب المتدين، إن فعلت سنغضب عليك هل يطيعهما في هذا؟ لا يطيعهما، وإن كان تركه ليس سخطًا مسخطًا لله، ولكنه ترك كمال وفي مصلحة للابن، وليس فيه مضرة على الوالدين، فإن قال قائل: أليس النبي صلى الله عليه وسلم قال ففيهما فجاهد، وأمر أن يدع الجهاد وهو فرض كفاية أو سنة كفاية أمره أن يدعه من أجل أن يبقى في شئون والديه؟ قلنا: بلى قاله الرسول صلى الله عليه وسلم وما قاله الرسول فهو حق والرسول حاكم وليس محكومًا عليه لكن إذا كان الوالدان محتاجين للولد والجهاد في حقه نفل فأيهما يقدم؟ يقدم حاجة الوالدين؛ لأن دفع حاجة الوالدين واجبة، وجهاد النفل ليس بواجب، ثم الجهاد أيضًا ليس كطلب علم أو مصاحبة الأخبار، الجهاد فيه عرضه للموت والقتل وقد يشق ذلك على الأب والأم فبينهما فرق، إذن رضا الله في رضا الوالدين ليس على إطلاقه وسخط الله في سخط الوالدين ليس على إطلاقه، لو أن الأب أو الأم طلبا من ولدهما أن يتزوج بنت عمه وقالا إن لم تفعل فسوف نسخط عليك ونغضب منك، وقال: لا، لا أريدها، نفسي لا تريدها فهل نجبره على أن يتزوجها؟ لا؛ لأن عدم زواجه بها لا ضرر على الوالدين فيه وتزوجه بها ربما يكون فيه ضرر عليه ربما تكون النتيجة عكسية ثم يطلقها بعد أن يدخل بها وتكون النفرة بينه وبين عمه أشد مما لو عدل عن تزوجه بابنة عمه إلى بنت غيره، فالمهم: أنه كما قال شيخ الإسلام: لا تجب طاعة الوالدين إلا فيما فيه نفع لهما ولا ضرر على الابن فيه، وإلا لكان بعض الوالدين يأمر ولده بما يضره ولاسيما الأمهات، الأم إذا رأت من ابنها أنه يجب الزوجة صارت الزوجة كأنها ضرة لها بعضهن يصرح يقول: إما أنا

<<  <  ج: ص:  >  >>