ورخص قوم من السلف في الأكل ممن يعلم في ماله حرام ما لم يعلم أنه من الحرام بعينه، كما تقدم عن مكحول والزهري، وروي مثله عن الفضيل بن عياض. وروي في ذلك آثار عن السلف، فصح عن ابن مسعود أنه سئل عمن له جار يأكل الربا علانية ولا يتحرج من مال خبيث يأخذه ويدعوه إلى طعامه، قال: أجيبوه، فإنما المهنأ لكم والوزر عليه. وفي رواية أنه قال: لا أعلم له شيئاً إلا خبيثاً أو حراماً، فقال: أجيبوه. وقد صحح الإمام أحمد هذا عن ابن مسعود، ولكنه عارضه بما روي عنه أنه قال: الإثم حواز القلوب.
*تعليق الشيخ:
-فصار فيها لابن مسعود روايتان: الأولى: كل منه ولا نبالي مادمت أخذته بطريق مباح، وإن كان هو بنفسه كسبه عن طريق محرم، وهذا هو الذي لا يسع الناس غيره الآن؛ إذ إن الناس كثر فيهم الربا والعينة وكثر فيهم التحيل على الربا، فلو قلنا: إنك تتجنب دعواهم أو لا تجيبهم حصل في ذلك ضرر، وربما يحصل عداوة وبغضاء، فالناس الآن لا يسعهم العمل إلا بهذا القول الذي روي عن ابن مسعود بل صح عنه (رضي الله عنه).
*قال ابن رجب:
وروي عن سلمان مثل قول ابن مسعود الأول، وعن سعيد بن جبير، والحسن البصري، ومورق العجلي، وإبراهيم النخعي، وابن سيرين وغيرهم، والآثار بذلك موجودة في كتاب «الأدب» لحميد بن زنجويه، وبعضها في كتاب «الجامع» للخلال، وفي مصنفي عبد الرزاق وابن أبي شيبة وغيرهم. ومتى علم أن عين الشيء حرام، أخذ بوجه محرم، فإنه يحرم تناوله، وقد حكي الإجماع على ذلك ابن عبد البر وغيره، وقد روي عن ابن سيرين في الرجل يقضي من الربا، قال: لا بأس به، وعن الرجل يقضي من القمار، قال: لا بأس به، خرجه الخلال بإسناد صحيح، وروي عن الحسن خلاف هذا، وأنه قال: إن هذه المكاسب قد فسدت، فخذوا منها شبه المضطر. وعارض المروي عن ابن مسعود وسلما، ما روي عن أبي بكر الصديق أنه أكل طعاماً ثم أخبر أنه من حرام، فاستقاءه.