للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهو كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ} [محمد: ٧] وليس المراد أن تحفظ الله نفسه، لأن الله غني عن العالمين، لكن المراد حفظ دينه أي: القيام بشرائعه الواجبة والمستحبة وترك نواهيه المحرمة والمكروهة، «يحفظك» هذا هو جواب الأمر وهو الجزاء والثواب، يحفظك في دينك ودنياك في أهلك في مالك في بدنك في جميع أحوالك، لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) أطلق ولم يقيد، «أحفظ الله تجده تجاهك»، هذا أيضا فائدة عظيمة، «أحفظ الله» يحفظ دينه، «تجده تجاهك» أي: أمامك، وهذا يعني: أنه (عز وجل) يدلك على كل خير فإذا أحفظت دين الله دلك على كل خير؛ لأن الذي أمامك هو قائدك فيدلك على كل خير، «وإذا سألت فاسأل الله» لا تسأل الناس مهما كان اللهم إلا عند الضرورة القصوى فهذا حال آخر، لكن اسأل الله وحده وأنت إذا سألت الله بصدق ويقين فإن الله تعالى سوف يجيبك لقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: ١٨٦]. وقال تعالى في آية أخرى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: ٦٠]. وقد تستبعد أن يجيب لك مسألة لكن لا تستبعد هذا إن الله يقول: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: ٣، ٢]. «وإذا استعنت فاستعن بالله» يعني: إذا طلبت معونة فلا تلجأ إلى الخلق استعن بالله فإنك إذا استعنت بالله (عز وجل) استعانة حقيقية بإيمان وصدق أعانك. ففي هذا الحديث من الفوائد: أولاً: جواز الإرداف على الدابة بناء على قوله: «خلف النبي» ولكن هذا مشروط بأمرين. الأمر الأول: ألا يشق على الدابة فإن شق على الدابة فلا يجوز الإرداف. الأمر الثاني: ألا يخاف سقوطاً فإن خلف سقوطاً فقد قال الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ} كيف يخاف السقوط؟ أحيانا يكون ردف البعير منزلقاً فإذا ركبه الإنسان فربما يسقط على ظهره، فهنا نقول: لا تردف وهذا مراعاة لحال الراكب والأول لحال المركوب. ومن فوائد الحديث: تواضع النبي (صلى الله عليه وسلم) بإرداف الصغار وهذا أمر لا يحتاج إلى إقامة البينة عليه أن النبي (صلى الله عليه وسلم) عنده من التواضع الجم للحق وللخلق ما ليس عندنا، وإن شئتم دليلاً على ذلك فمن الذي أردفه النبي (صلى الله عليه وسلم) في رجوعه من عرفة؟ أسامة بن زيد مولى من الموالي وصغير السن أيضاً، ومن الذي أردفه حين ذهابه من مزدلفة إلى منى؟ الفضل بن العباس صغير لكنه من أقاربه فراعى النبي (صلى الله عليه وسلم) هذا، وهذا الفضل بن العباس من أشرف الناس نسباً وأسامة مولى من الموالي ولكن كل منهما صغير، فالمهم أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لا حاجة إلى إقامة البينة على تواضعه لأن هذا أمر متواتر.

<<  <  ج: ص:  >  >>