كل من حدد شيئًا مطلقًا في الشرع - أعني: في الكتاب والسنة - فإنه يحتاج إلى دليل وهذا له أمثلة: منها: الحيض, ومنها: الماء هل ينجس أو لا ينجس إذا بلغ قلتين, أو أقل, ومنها: السفر هل له مدة معينة, هل له مسافة معينة.
المبحث الثاني: هل للحيض مدة معينة في أقله وأكثره؟
في هذا خلاف أيضًا, فمن العلماء من قال: له مدة في أقله وأكثره, أقله يوم وليلة وأكثره خمسة عشر يومًا, وقال بعض العلماء: لا حد لذلك؛ لأن النصوص الواردة في الحيض مطلقة لم تحدد زمنًا معينًا, ولا شك أن هذا القول أصح وأريح للنساء؛ لأن القائلين بتحديد المدة يتعبون النساء يقولون: إنه لابد أن يتكرر ثلاث مرات من غير أن يختلف, فإن اختلف فما تكرر ثلاثًا فهو حيض, وما بعده فليس بحيض حتى يتكرر ثلاثًا, وله في ذلك تفاصيل, حتى إن بعض العلماء جعل باب الحيض مائة وخمسين صفحة لكثرة التفاريع التي ليس عليها سلطان.
فالصواب: أن الحيض دم معروف متى وجد ثبت حكمه, ومتى انتفى انتفى حكمه, لكن إذا طرأت عليه الزيادة على خمسة عشر يومًا فهنا ينبغي أن نقول: ما زاد على الخمسة عشر يومًا فإنه استحاضة؛ لأنه استوعب أكثر الزمن فيكون استحاضة, ترجع بعد ذلك إلى عادتها, أما لو كان من أول الأمر يأتيها الحيض لمدة سبعة عشر يومًا فكله حيض إذا استمر كذلك إذا علمنا أن الزائد على خمسة عشر كان نتيجة تأخر الحيض؛ لأن بعض النساء كما حدثتكم يتوقف عنها الحيض لمدة ثلاثة أشهر, أو أربعة, ثم يأتيها الحيض شهرًا كاملًا هذه كل شهرها حيض؛ لأننا نظرنا إلى القرينة فوجدناها تدل على أن الحيض بقي في الرحم, وانحبس ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر, ثم خرج مرة واحدة.
المبحث الثالث: الاستحاضة إذا طرأت على المرأة فماذا تصنع؟
ذكر المؤلف رحمه الله حديث عائشة, أن فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها كانت تستحاض وقد شرحناه, وقلنا: إن العلماء - رحمهم الله - اختلفوا في حكمه, فمنهم من قال: إن هذا الحديث في المبتدأة, ما معنى المبتدأة؟ يعني: التي أتاها الحيض أول مرة واستمر معها فهذه ترجع إلى التمييز - يعني: الدم - هل يختلف أو لا يختلف, فإذا كان بعض دمها يتميز عن الآخر فما كان له صفات الحيض فهو حيض, وما لم يكن له صفات الحيض فليس بحيض, فما هي العلامات؟ ذكرناها فيما سبق: الحيض أسود غليظ له رائحة منتنة, ولا يتجمد كما ذكره بعض العلماء المعاصرين, فهذه نقول: ترجع إلى التمييز, لكن لو كان التمييز يزيد على خمسة عشر يومًا, ويزيد وينقص حينئذٍ يكون ما زاد على خمسة عشر يومًا حكمه حكم الاستحاضة, كما لو لم تكن مستحاضة أصلًا وهذا الذي ذكرته في أن فاطمة رضي الله عنها كانت مبتدأة, وأن المبتدأة تعمل