للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على آخر والثاني المتسلط عليه يحتاج إلى نصر (فيتركه) فهذا خذلان ولاسيما إذا كان الثاني يحتاج إلى نصر كأن يكون رجلاً من أهل الحسبة الذي يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فترى شخصاً يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وقد سلط عليه رجل من الفساق سبه أو ضربه أو غير ذلك فتعين هذا الفاسق على خذلان هذا الآمر الناهي يكون هذا أشد، ومن ذلك أيضاً أن تكتم الشهادة في موضع يحتاج أخوك إلى أن تقيمها فإن هذا خذلان له، "ولا يحقره" يحقره: يعني يراه حقيراً سواء رأى ذلك في قلبه أو في كلامه، فإنه لا يحل للإنسان أن يحقر أخاه بل الواجب عليه أن يعليه لكن لا يرفعه فوق منزلته، ثم قال صلى الله عليه وسلم: "التقوى ها هنا ويشير إلى صدره، التقوى ها هنا ثلاث مرات"، وها هنا: إشارة لكنها إشارة للمكان قال ابن مالك رحمه الله:

(وبهنا أوها هنا أشر إلي ... داني المكان وبه الكاف صلا)

ونقول: هناك للبعيد، هنا للقريب ها هنا للقريب؛ لأن ها هنا هي هنا، لكن دخلت عليها هاء التنبيه كما دخلت هاء التنبيه على ذا في قولك "هذا فلان" وأقلها ذا فلان، يقول: التقوى ها هنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات ثم قال: "بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم" بحسب أي: كافٍ والباء هنا حرف جر زائد لتحسين اللفظ وهو خبر مقدم والتقدير: حقران الأخ المسلم كافٍ في الشر، وإن شئت فاجعل حسب مبتدأ، وأن يحقر خبره يعني: لك أن تجعل حسب مبتدأ، وأن يحقر خبره، وأن تجعله خبراً مقدماً وهذا هو الأصل لأن الزيادة -زيادة الحرف- في الخبر أكثر من زيادتها في المبتدأ، لا بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، وإن لم يتكلم حتى لو اعتقد بقلبه أن هذا الرجل المسلم حقير، فإن هذا يكفيه من الشر- والعياذ بالله- فكيف إذا أضاف إلى ذلك أن يتكلم بما يحقره مثل أن يقول مثلاً: أنت لا تعرف؟ أمثلك يتكلم؟ ومثل ذلك من الكلمات التي يحقر بها أخاه يقول: "كل المسلم على المسلم حرام" ثم فسر هذه الكلية بقوله: "دمه وماله وعرضه" دمه يعني: أن يعتدي عليه بالقتل أو الجرح، وماله أن يعتدي على ماله بالسرقة أو بدعوة باطلة، وعرضه أن ينتهك عرضه أمام الناس بالغيبة، ويشمل أيضاً العِرض يعني: ما يتمتع به الإنسان من الأخلاق فيأتي ويعيبه في هذا، وأعظم شيء في العرض أن يقذفه بالزنا واللواط، فإن هذا من أعظم ما يكون من انتهاك العرض.

في هذا الحديث فوائد عظيمة وآداب جليلة منها: النهي عن الحسد لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تحاسدوا"، وهل الحسد من المحرمات الصغائر أو من الكبائر؟ هو من الكبائر لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، والعقوبة قد تكون لحصول العقوبة أو بحصول مكروه وقد تكون بفوات محبوب يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب هذا فوات

<<  <  ج: ص:  >  >>