له كارهون، ولولا الواو لقلنا: إن الجملة صفة لقوم لأنها نكرة "صب في أذنيه"، هذه جواب "من" من الصاب؟ الصاب من أمرهم الله تعالى أن يصبوا ذلك عليه، وقد قال الله تعالى. {خذوه فاتلوه إلى سواء الجحيم (٤٧) ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم} [الدخان: ٤٧، ٤٨] وقوله: {الآنك} يعني: الرصاص، ولا يكون صباً للرصاص إلا إذا كان مذاباً وعليه فالمراد: الرصاص المذاب.
في هذا الحديث فوائد: منها: تحريم التسمع إلى قوم يكرهون أن يسمعهم أحد سواء تصنت عن طريق مكبر الصوت - لأنه توجد أشياء تكبر الصوت ويسمع الصوت من بعيد - أو من طريق الباب كأن يجلس إلى الباب يتسمع، أو يجلس قريباً منهم يتظاهر انه يقرأ يأخذ مثلاً كتاباً أو القران الكريم ويحرك شفتيه علن أنه يقرأ، فإذا رأوه يقرا ربما يأمنون ويقولون: هذا لاه عنّا وليس له حاجة بنا.
ومن ذلك أيضاً أن يضع مسجلاً - بل قد يكون أبلغ لأن هناك مسجلات صغيرة علن قدر علبة الكبريت يضعها - في أماكن جلوسهم المعتاد وهم لا يعلمون، فيه أيضاً مسجلات غريبة تأتمر بأمرك إذا أمرتها، لها ذبذبات خاصة أن تكلم حولها أحد سجلت، وإن لم يكن كلام لم تسجل، فيجعل مثل هذا عندهم حتى يسترق السمع.
والمهم أن طرق التسمُّع كثيرة، والنبي صلى الله عليه وسلم أطلق ولم يقل: من تسمع كذا، فيكون عاماً بكل سمع.
ومن فوائد الحديث: أن التسمّع بحديث قوم يكرهونه من كبائر الذنوب، وجهه الوعيد الشديد أنه يصب في أذنيه الآنك يوم القيامة، وهل يستثنى من ذلك شيء؟ ، نعم، يستثنى من ذلك التسمع إلى العدو، فإن التسمع إلى العدو جائز، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يرسل الجواسيس (العيون) ترى ماذا يصنع العدو، فيكون الحديث ليس على عمومه، بل هو مخصوص بما إذا تسمع إلى العدو بالتحرز من خداعه ومكره.
ومن فوائد الحديث: أنه لو تسمع إلى حديث قوم وهم يسرون بذلك فلا شيء عليه؛ لأنه زادهم سروراً، فلو فرضنا أن قوماً يتناجون بينهم في مسائل علمية دينية وإنسان يتسمع لهم ليستفيد ثم يخبرهم بعد ذلك انه استفاد منهم فهذا لا بأس به.
ومن فوائد الحديث: أن الجزاء من جنس العمل، وجهه أنه لما كان التسمع بالأذن كان العذاب علي الأذن، ولهذا نظائر، مر علينا أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أصحابه لا يسبغون الوضوء وأنهم اخلوا به في بعض الأعضاء فنادى بأعلى صوته، "ويل للأعقاب من النار"، فجعل العذاب على الأعقاب لأنها هي التي حصل بها المخالفة، وكذلك قال:"ما أسفل من الكعبين ففي النار" فجعل