الله صديقا، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإنَّ الفجور يهدي إلي النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب، حتى يكتب عند الله كذاباً». متفق عليه.
قوله:«عليكم بالصدق»، يسميه أهل النحو بالإغراء، أي: الحث بشدة، الصدق في العقيدة، الصدق في القول، الصدق في العمل، فهو شامل لهذه الأقدم الثلاثة.
الصدق في العقيدة: هو إخلاص العبادة لله وحده، والبعد عن الشرك خفيه وجلية، وكذلك إتباع السلف بما يجب لله تعالى من الأسماء والصفات.
الصدق في الفعل: أن يكون مطابقاً لما جاءت به الشريعة.
الصدق في القول: أن يكون مطابقا للواقع، إذا حدث عن شيء حدّث عن أمر واقع لا يتغير.
ثم قال:"فإن الصدق يهدي إلي البر" هذه الجملة تعليل لما قبلها؛ يعني: أنه حث على الصدق، لأنه يهدي الى هذه الغاية الحميدة، وهي البر، والبر جماع الخير كله، "وان البر يهدي إلي الجنة" وهذه المرحلة الثانية؛ يعني: أن الإنسان إذا كان من الأبرار كان مستحقاً لدخول الجنة، وكل إنسان مؤمن فان غايته الوصول إلي جنات النعيم -حقق الله لنا ولكم ذلك.
"وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق"، "ما يزال" هذه من أفعال الاستمرار؛ يعني: أنه إذا استمر يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وقوله:"يصدق" أي: يقول الصدق: اليقين، "يتحرى الصدق" أي: يلتمس الصدق فيما يغلب على ظنه؛ لأن التحري هو سلوك الطرق التي توصل إلى غاية الظن، "حتى يكتب عند الله صديقاً" أي: يكتب من الصديقين عند الله عز وجل، واعلم أن الصدوق يكون مقبولاً عند الناس معتبراً بينهم لا يحتاجون إلي تفكير في قوله، بل يقبلونه ولا يردون شيئاً منه؛ لأنه معروف بالصدق، وهذا من الجزاء العاجل.
"وإياكم والكذب" هذا تحذير من الكذب، "فإن الكذب يهدي إل الفجور" والفجور ضد البر، قال تعالى:{كلا إن كنت الفجار لفى سجين}[المطففين: ٧]. وقال في مقابلة ذلك:{كلا إن كنت الأبرار لفى عليين}[المطففين: ٧]
"فإن الكذب يهدي إل الفجور، وإن الفجور يهدي إلي النار" كما قال تعالى: {وإن الفجار لفى جحيم}[الانفطار: ١٤] فالفجور يوصل إلي النار، "وما زال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً" من الكذابين، والكذابون جزاؤهم النار.