(إذا لم يكن هون من الله للفتى .... فأكثر ما يجني عليه اجتهاده)
استعن بالله مع الحرص، ويفهم منه ان الإنسان مطالب بأن يبذل ما هو في استطاعته وهو الحرص، ويفوض الأمر إلي الله فيما لا يستطيع، وهذا هو الاستعانة بالله.
وقوله:"ولا تعجز" ليس معناه: ولا يكن فيك عجز؛ لأن المعجز ليس بقدرة الإنسان، فقد يمرض الإنسان ويعجز وقد يشق عليا الشيء ويعجز عنه، لكن المراد بقوله:"لا تعجز": لا تكسل، فتفعل فعل العاجز؛ لأن الإنسان إذا كسل تراخى عن الفعل ومار فعلة فعل العاجز، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بثلاثة أمور: الحرص، والاستعانة، وعدم الملل والكسل، وكل ذلك داخل في قوله:"ولا تعجز".
وإن أصابك شيء" يعني: بعد أن تبذل ما تستطع بعد الحرص والاستعانة بالله والثبات على الأمر، "إن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا"، الإنسان يؤمر بالشيء ثم بعد أن يؤمر بالشيء يكل الأمر إلى الله، إذا فعلت ما يلزمك من الحرص على الناقع والاستعانة بالله والثبات على الأمر ثم اختلفت الأمور فهل تلام، لا تلام، حينئذ فوض الأمر إلى الله، أما أن تفرض الأمر إلى الله بدون أن تفعل الأسباب فهذا لا شك أنه خطأ، افعل الأسباب كلها، ثم إذا كانت الأمور على خلاف ما تريد فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا، لا تقل هذا؛ لأن الله لو أراد ذلك لفعلته، ولكن الله لم يرد، ولا يمكن تغيير ما كان عما كان؛ أي: لا يمكن رفعه، ولكن يمكن مداواته، "ولكن: قل: قدر الله وما شاء فعل"، تربية نفسية عظيمة ورضا بالقدر ما فوقه شيء، "قل: قدر الله" "قدر" تروى بوجهين: الأول: بتشديد الدال وفتح القاف يكون المعنى: قدر الله؛ أي: قل: قدر الله ذلك وليس بإرادتك وما شاء فعل، الوجه الثاني - وهو أولى - قدر الله أي: هذا قدر الله، هذا الذي وقع قدر الله وليس باختياري، "وما شاء فعل" هذه جملة شرطية فإن "ما" هنا اسم شرط، وفعل الشرط: "شاء"، وجواب الشرط: "فعل"؛ أي: أي شيء يشاؤه الله فلابد أن يفعله.
هذا الحديث فيه: حث على مكارم الأخلاق، أولاً: قوله: "لو تفتح عمل الشيطان" أي: فإن قول الإنسان "لو" في الأمر المقدر تفتح عمل الشيطان، فما هو عمل الشيطان؟ عمل الشيطان ما يحدثه في قلب الإنسان من الندم والحسرة، وهي لا تفيد؛ لأن ما وقع لا يمكن رفعه.
ففي هذا الحديث فوائد منها: أن الأيمان يتفاوت، يؤخذ ذلك من قوله: "المؤمن القوي خير وأحب، إلى الله من المؤمن الضعيف"، فإن قال الإنسان: بماذا يتفاوت الإيمان؟ قلنا: يتفاوت بأسباب متعددة؛ أولاً: يتفاوت باليقين، فبعض الناس يكون إيمانه إيمان يقين كأنما يرى الجنة