للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن تصدقه وتؤمن بخبره حتى وإن استبعده عقلك؛ لأنك لو أنكرت ما يستبعده عقلك لم تكن مؤمناً في الواقع بل متبعاً لهواك, ومن النصيحة للرسول صلى الله عليه وسلم: طاعته فيما أمر؛ فإن ذلك من النصيحة له, ولا يرد على هذا أن الصحابة -رضي الله عنهم- أحياناً يعارضون الرسول صلى الله عليه وسلم لكن إذا انكشف لهم الأمر سلموا واستسلموا غاية الاستسلام, مثال ذلك: لما أمرهم حين طاف وسعى في البيت في حجة الوداع أمر من لم يسق الهدي أن يجعلها عمرة فناقشوه في ذلك فقالوا: يا رسول الله قد سمينا الحج كيف تجعلها عمرة؟ وقالوا: يا رسول الله, أنحل الحل كله؟ قال: "نعم", قالوا: يا رسول الله نأتي النساء؟ قال: "نعم", قالوا: نذهب إلى منى وذكر أحدنا يقطر منياً", إلى هذا الحد وهي كلمة قد يستحي منها كثير من الناس, لكن كل هذا يريدون من الرسول أن ينسخ ما أمرهم به لكنه حتم عليهم, قال: افعلوا ما أمرتكم به, فهل فعلوا؟ الجواب: فعلوا, فلا يعد هذا من ترك النصيحة للرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن المراجعة في وقت التشريع جائزة, إذ قد يختلف الشرع, ولهذا لما أثر النبي صلى الله عليه وسلم في تحريم لحوم الحمر أمر أن تكسر القدور, لأن الحمر الأهلية قد حرمت وهي تفور على النار, قد ذبحوها وقطعوا لحمها وجعلوها في قدور فحرمت وأمر أن تكسر القدور فقالوا: يا رسول الله أونغسلها؟ فقال: "أغسلوها" هنا الأمر نسخ بالثاني, فالصحابة يراجعون الرسول صلى الله عليه وسلم لعل الأمر ينسخ, ومثل ذلك أيضًا تأخرهم عن الحلق في صلح الحديبية حيث تأخروا يرجون النسخ, فلما خرج الرسول صلى الله عليه وسلم بمشورة أم سلمة إليهم دعا بالحلاق وحلق رأسه جعلوا يحلقون رءوسهم حتى كاد بعضهم يقتل البعض غما.

المهم: أن من النصيحة للرسول طاعته فيما أمر, ولا يرد على ذلك أن الصحابة -رضي الله عنهم- أحياناً يناقشونه؛ لأنهم يناقشونه لا عصياناً, ولكن يرجون النسخ, وقد وقع النسخ بعد مراجعتهم إياها كما في حديث تكسير القدور.

النصيحة للرسول صلى الله عليه وسلم أن يجتنب الإنسان ما نهي عنه, فإذا نهي عن شيء فليجتنبه حتى وإن هوته نفسه؛ لأن الخير فيما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأعلم أن العافية ستكون حميدة إذا نصحت للرسول صلى الله عليه وسلم, وقد أشار الله إلى النصح له ولرسوله في قوله: {ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله} [التوبة: ٩١]. فلابد من النصح للرسول.

ومن النصح للرسول صلى الله عليه وسلم: الذب عن سنته, لأن النبي صلى الله عليه وسلم له أعداء, قال الله تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً من المجرمين} [الفرقان: ٣١]. فله أعداء, فمن النصيحة له: أن تذب عن سنته

<<  <  ج: ص:  >  >>