للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نقابلهم بهدوء لعلهم يرجعون؟ الثاني يتعين؛ لأن منابذتهم قد تؤدي إلى أن يركبوا رؤوسهم وأن يلزموك ويكرهوك على الشيء لكن إذا أتيت بهدوء ونصيحة وقلت: ربنا وربك الله, والله عز وجل نهى عن هذا, والذي أوجب علينا طاعتكم هو الله, لكن في غير المعصية وتهادنه فإن اهتدى فهو المطلوب, وإن لم يهتد فأنت معذور لأنك مكره.

الثالث: من نصيحتهم: ألا نثير الناس عليهم, وإثارة الناس عليهم ليس معناها أن نقول: يا أيها الناس ثيروا على أمرائكم هذه ما أحد يقول هكذا, لكن ذكر المساوئ وإخفاء المحاسن توجب إثارة الناس؛ لأن الإنسان بشر, وإذا ذكر لشخص المساوئ دون ذكر المحاسن سوف يمتلئ قلبه بغضاً لهذا المذكور, أما إن ذكر محاسنه ولم يتعرض لمساوئه فسوف يمتلئ قلب الإنسان بفضائله فهذا أيضًا من نصيحتهم, وقد جعلها الرسول صلى الله عليه وسلم من الدين.

الأمر الرابع: إبداء خطأهم فيما خالفوا فيه الشرع, بمعنى: ألا تسكت, ولكن على وجه الحكمة والإخفاء, ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى الإنسان من الأمير شيئاً أن يمسك بيده وأن يكلمه فيما بينه وبينه, لا أن تقوم في الناس وتنشر معايبه؛ لأن هذا يحصل به فتنة عظيمة, السكوت على الباطل لا شك أنه خطأ, لكن الكلام في الباطل الذي يؤدي إلى ما هو أشد هذا خطأ أيضًا, فالطريق السليم الذي هو النصيحة, وهو من دين الله عز وجل, هو أن يأخذ الإنسان بيده ويكلمه سراً أو يكاتبه سراً, فإن أمكن أن يوصله إياه فهو المطلوب وإلا فهناك قنوات الإنسان البصير يعرف كيف يوصل هذه النتيجة إلى الأمير بالطريق المعروف, الخامس: احترامه الاحترام اللائق به, وليس احترام ولي الأمر كاحترام عامة الناس, ربما يأتيك فاسق من عامة الناس لا تبالي به ولا تكلمه, ولكن ولي الأمر على خلاف ذلك, ولاسيما إذا كان أمام الناس, لأنك إذا ظهرت أنك غير مبال به فإن هذا ينقص من قدره أمام الناس ونقصان قدر الأمير أمام الناس, لأنك إذا ظهرت أنك غير مبال به فإن هذا ينقص من قدره أمام الناس ونقصان قدر الأمير أمام الناس له سلبيات خطيرة جداً, ولاسيما إذا كثرت البلبلة وكثر الكلام فإنه يؤدي إلى مفاسد عظيمة, وكما تبين لمن كان منكم متأملاً أحوال الناس اليوم.

السادس: من النصيحة له: ألا تكذب عليه ونظهر له أن الأمور على ما ينبغي وهو خلاف الواقع؛ بمعنى: أن نبين له حقائق الأمور على ما هي عليه إن سيئة أو صالحة؛ وذلك لأن بعض الناس-والعياذ بالله- يغش الأمير, يذكر له أن الأشياء على ما يرام زعماً منه أنه يريد إدخال السرور على الأمير وهذا غلط عظيم, الواجب أن تذكر الأمور على ما هي عليه؛ لأنه لا يمكن لإنسان أن يداوي جرحاً حتى يعرف مادته ويستخرجها, وإلا فكم قال الشاعر: [الوافر]

(إذا ما الجرح ضمَّ على فسادٍ ... نبين فيه إهمال الطبيب)

<<  <  ج: ص:  >  >>