للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"ومداد كلماته" {قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي} [الكهف: ١٠٩]، {ولو أنما في الأرض من شجرةٍ أقلام} يعني: لو كان كل الأشجار أقلام {والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله} [لقمان: ٢٧]. إذن أي مداد يكون لكمات الله؟ مداد عظيم لا يعلم قدره إلا الله عز وجل، فيكون هذا التسبيح الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم تسبيحاً عظيماً في الكمية، وعظيماً في الكيفية، الكمية عدد خلقه، والكيفية: رضا نفسه، وزنة عرشه ومداد كلماته.

في هذا الحديث فوائد منها: أن اللفظ القليل قد يغني عن اللفظ الكثير، وجهه: "لقد قلت بعدك كلمات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن".

ومن فوائده: أن الكلام يتفاضل، بعضه أفضل من بعض، وتفاضل الكلام له عدة جهات، إما من حيث المتكلم به، وإما من حيث مدلوله، وإما من حيث البلاغة، وإما من حيث التأثير، المهم أن جهات تفاضل الكلام كثيرة. ولنسأل القرآن يتفاضل أو لا؟ الجواب: أن القرآن من حيث المتكلم به لا يتفاضل؛ لأن المتكلم به هو الله عز وجل وهو واحد، أما من حيث المدلول والتأثير فإنه يتفاضل؛ ولهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أعظم آية في كتاب الله هي آية الكرسي، وأن فاتحة الكتاب هي أفضل سورة في كتاب الله، ونحن نشاهد الآن أن من الآيات ما يؤثر تأثيراً بالغاً إذا ورد على القلب، وبعض الآيات دون ذلك.

فعلى كل حال: القرآن إن قلت: إنه يتفاضل على الإطلاق أخطأت، وإن قلت: لا يتفاضل أخطأت، فمن حيث المتكلم به لا يتفاضل، ومن حيث المعنى والموضوع يتفاضل بلا شك، وأما جنس الكلام عموماً فلا شك أن الكلام يتفاضل من حيث الأسلوب والفصاحة والبلاغة وغير ذلك، لو أن واحداً قام يتكلم وصار يرفع المنصوب وينصب المرفوع، ويجر المجزوم، ويجزم المجرور، ويقدم ما يمتنع تقديمه، وما أشبه ذلك، ماذا يكون كلامه؟ ورجل آخر تكلم بأعظم فصاحة والمعنى واحد والكلمات واحدة يتفاضل أم لا؟ يتفاضل.

ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للإنسان أن يكثر من هذا الذكر: "سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضاء نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته".

ومن فوائد الحديث: إثبات الرضا لله لقوله: "ورضاء نفسه"، وهو صفة زائدة على المحبة، وأنكر ذلك أهل التعطيل، وقالوا: إن الله لا يرضى؛ لإن الرضا صفة حادثة، والحادث لا يقوم إلا بحادث، والحق: أن الله تعالى يوصف بالرضا ويوصف بالغضب.

ومن فوائد الحديث: إطلاق النفس على الله لقوله: "ورضاء نفسه"، وليست النفس صفة زائدة على الذات بل هي الذات.

ومن فوائد الحديث: أن العرش له جرم وثقل لقوله: "وزنة عرشه".

<<  <  ج: ص:  >  >>