وجهان: الوجه الأول: أن تكون "الباقيات الصالحات" خبراً مقدماً، و"لا إله إلا الله" جملة مبتدأ مؤخر على تقديرها باللفظ كما قال المعربون في قول ابن مالك:
(قال محمدٌ هو ابن مالك ... أحمد ربي الله خير مالك)
قالوا:"أحمد" إلى آخر الألفية مقول القول، فالجمل كلها قامت مقام المفرد؛ أي: قال ابن مالك هذا القول، هنا نقول: إن "لا إله إلا الله" إذا جعلناها مبتدأ صارت على تأويل هذا اللفظ، أما إذا جعلنا "الباقيات" مبتدأ و"لا إله إلا الله" خبر فلا إشكال؛ لأن جملة "لا إله إلا الله" خبر وهو لا غرابة فيه؛ إذ إن الخبر يقع جملة ويقع مفرداً، ويقع شبه جملة، وسبق الكلام على معنى "لا إله الله الله" و"سبحان الله"، أما قوله:"الله أكبر" فهو حقيقة، ومعناه: فالله تعالى أكبر من كل شيء في علمه وقدرته وسمعه وبصره وسلطانه، وغير ذلك، أكبر من كل شيء، وهو -سبحانه وتعالى- ذاته أكبر من كل شيء؛ لأن السموات السبع والأرضين السبع في كف الرحمن كخردلة في كف أحدنا؛ ولأن الله سبحانه يقول:{وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه}[الرمز: ٦٧]. ويقول:{يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلقٍ نعيده، وعداً علينا إنا كنا فاعلين}[الأنبياء: ١٠٤]. فالله أكبر من كل شيء في أسمائه وصفاته، وكذلك في ذاته، ولا يقدر أحد قدره إذا كان العرش يقول فيه ابن عباس: لا يقدر قدره إلا الله فما بالك بخالق العرش، إذن عندما نقول "الله أكبر" لابد أن نشعر بأنه أكبر من كل شيء علماً وقدرة وسلطاناً وحكمة وتدبيراً وغير ذلك، كما أن ذاته تعالى أكبر من كل شيء.
يقول:"والحمد لله" سبق لنا معنى الحمد وأنه وصف المحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم، ولا يشترط التكرار؛ لأنك كررت الحمد صار ثناء، وقوله:"الحمد" قال العلماء: إن "أل" في الحمد للاستغراق؛ أي: كل حمد، وأن اللام في قوله:"الله" للاستحقاق والاختصاص، فالذي يستحق الحمد كله هو الله والحمد كله خاص بالله لا أحد يحمد الحمد كله، وإنما يُحمد فاعل الإحسان على شيء معين مخصوص وصغير.
"والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله"، "لا حول" هذه "لا" تسمى عند النحويين النافية للجنس، ومعنى كونها نافية للجنس أنها شاملة لجميع أفراد المنفي على التنصيص؛ وذلك لأن العموم قد يكون شاملاً لجميع أفراد العام بحسب الظاهر، لكن "لا حول" تنص على جميع أفراد العام نصاً قطعياً، إذن لا حول إلا بالله، ومعنى لا حول؟ الحول قيل معناه: التحول من حال إلى