لكل صلاة, لكن أذن لها في هذه الحال أن تجمع, والحكمة من ذلك - والله أعلم -: أن الاغتسال يؤدي إلى تقلص العروق, وتقليل الدم, ويكون سببًا لانقطاع الاستحاضة.
ففي هذا الحديث فوائد منها: أنه قد يقول قائل: إن الاستحاضة تأتي عن وراثة؛ لأن هاتين الأختين كلتيهما استحيضت, فلعل هذا يكون عن وراثة, فإن ثبت هذا أن الاستحاضة كسائر الأمراض تكون عن وراثة فلا عجب في ذلك, وإن لم يثبت ألغيت هذه الفائدة.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الاستفتاء عن الشيء المؤلم يسمى شكوى لقولها: «شكت إلى رسول الله الدم».
ومن فوائد هذا الحديث: أن الشكوى للمخلوق جائزة بشرط ألا تكون تنبئ عن السخط عن الخالق, وعلى هذا فإذا قلت لشخص: أنا أشكو من كذا من المرض فإنه لا بأس به, بشرط أن لا يكون القصد السخط من الخالق عز وجل, مجرد إخبار الرسول - عليه الصلاة والسلام - لما قالت عائشة: وارأساه, قال: «بل أنا وارأساه». فلا بأس في الشكاية إلى الخلق إذا كان المقصود مجرد الإخبار لا شكوى الخالق والسخط منه؛ ولهذا قال العلماء - رحمهم الله -: إن الشكوى إلى المخلوق إذا لم يكن المقصود السخط من الخالق لا تنافي الصبر الجميل.
ومن فوائد هذا الحديث: الرجوع إلى العادة في المستحاضة لقوله صلى الله عليه وسلم: «قدر ما كانت تحبسك حيضتك» وإن قل عن ستة أيام وسبعة؟ نعم وإن قل, وأيضًا وإن زاد عليها.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الحيض يحبس المرأة عن الصلاة والصيام, وأشياء كثيرة تترتب على الحيض.
ومن فوائده: أن المعتادة ترجع إلى عادتها سواء كان لها تمييز أو لا, وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل, لم يقل: كيف حال الدم, بل أطلق الرجوع إلى العادة, وهذا لا شك أنه أيسر على المرأة أن ترجع إلى عادتها؛ لأن الأصل بقاء العادة على ما كانت عليه, وتغير الدم ربما يتغير في أول الشهر, وفي الشهر الثاني في آخره, وربما يتغير تغيرًا بينًا, وقد يتغير تغيرًا يسيرًا لكن الرجوع للعادة أضبط بلا شك, فإذا عدمت العادة رجعنا إلى التمييز.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه إذا تمت العادة بالنسبة للمستحاضة المعتادة وجب عليها الاغتسال؛ لأنها الآن طهرت.
ومن فوائد هذا الحديث: جواز اجتهاد الإنسان في العبادات لقولها: «فكانت تغتسل» , ولكن على أي شيء بنت أم حبيبة؟ الظاهر والله أعلم أنها بنت هذا على ما أفتى النبي صلى الله عليه وسلم به أختها؛ حيث أمرها أن تغتسل لكل صلاة, وقال: «هذا أعجب الأمرين».