الكلام إنما ينسب إلى من قاله مبتدأ لا إلى من قاله مبلغاً مؤدياً أو تاليا غير ذلك، فإما أن يقال:"أحب الكلام" أي: ما يتكلم به الإنسان، فيخرج من ذلك القرآن الكريم فإنه أحب ما يتقرب إلى الله به ما خرج منه وهو القرآن.
وقوله:"إلى الله أربع لا بأيهن بدأت"، هذا من أسلوب الرسول صلى الله عليه وسلم في التعليم، أحياناً يذكر الأشياء محصورة بعدد من أجل تقريبها للحفظ؛ لأن الشيء إذا كان محصوراً كان أقرب إلى الحفظ والإدراك وإن كان هناك أشياء أخرى توافق هذا الحكم، فمثلاً:"سبعة يظلهم الله في ظله"، هناك أناس يظلهم الله في ظله غير هؤلاء السبعة، "ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم"، هناك آخرون لا ينظر الله إليهم، يقول:"لا يضرك بأيهن بدأت" يعني: أن الترتيب ليس بشرط، ممكن أن نقول: الله أكبر، ولا إله إلا الله، والحمد لله، وسبحان الله، أو تخالف بينهن، المهم أن تقولها، وإنما نص الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك لئلا يكلف الإنسان نفسه في مراعاة الترتيب، يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.
فيستفاد من الحديث: أولاً: إثبات محبة الله عز وجل، وأن الله تعالى موصوف بالمحبة، وهو سبحانه يحب ويحب، والدليل قول الله تعالى:{فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه}[المائدة: ٤٥]. فأثبت عز وجل أنه يحب وأنه يحب، وهذا هو مذهب السلف الصالح وعليه أهل السنة، وقال بعض أهل البدع: إنه لا يحب ولا يحب، وأن محبته ثوابه، ومحبة الإنسان إياه قيامه بطاعته، ففسروا المحبة بآثارها، وقال آخرون: إنه يحب ولا يحب، وهذا أيضاً باطل، والصواب أن الله عز وجل يحب ويحب، ومحبة الله عز وجل تكون معلقة بالوصف، وتكون معلقة بالشخص، فمن تعلقها بالوصف قوله تعالى:{إن الله يحب الذين يقتلون في سبيله صفاً}[الصف: ٢٤]. {إن الله يحب المحسنين}[البقرة: ١٩٥]. {إن الله يحب المتقين}[التوبة: ٧]. هذا عام بالوصف، ومن تعلقها بالشخص قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي كان يقرأ ويختم بقل هو الله أحد ويقول: إنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأها، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:"أخبروه أن الله يحبه"، ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم:"لأعطين الراية غدا رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله" هذا أثبت المحبة من الطرفين فأعطاها علي بن أبي طالب، ومن ذلك أيضاً -وهي أخص- إثبات الخلة لشخصين فقط -فيما نعلم- لمن؟ لمحمد وإبراهيم -عليهما الصلاة والسلام- أما إبراهيم فقد قال الله تعالى:{واتخذ الله إبراهيم خليلاً}[النساء: ١٢٥]. كذلك أيضاً محبة الله تتعلق بالأعمال:"أحب الكلام إلى الله أربع، وأحب الأعمال الصلاة على وقتها" وهي كثيرة، علقت هنا بالأعمال، وقد تتعلق بالأمكنة مثل:"أحب البقاع إلى الله مساجدها"، فهنا تعلقت بالأمكنة، إذن في هذا الحديث: إثبات محبة الله.