الآخرة حسنة وقنا عذاب النار"، لكن لم أطلع حتى الآن على أن الرسول صلى الله عليه وسلم يختم بذلك الدعاء، لكنه يكثر منه، ولهذا نحتاج إلى البحث عن هذه المسألة.
يقول: "ربنا آتنا في هذه الدنيا حسنة"، الدنيا هي هذه الدار التي نحن الآن نعيش فيها، والدنيا اسم تفضيل مذكره أدنى، كعليا مذكرها أعلى، قصوى مذكرها أقصى، إذن دنيا اسم تفضيل، فما معنى الدنو الذي هو اسم تفضيل؟ نقول: له معنيان: المعنى الأول التقدم؛ لأنها أدنى من الآخرة من حيث الزمن، المعنى الثاني من الدناءة؛ لقوله- تبارك وتعالى- {وللآخرة خيرٌ لك من الأولى}[الضحى: ٤]. ولقوله تعالى:{بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خيرٌ وأبقى}[الأعلى: ١٦ - ١٧]. فهذه الدنيا وصفت بهذا الوصف لهذين السببين؛ أولاً: لقربها، والثاني: لدنوها؛ أي: تنقصها، فهي ناقصة عن الدار الآخرة، حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها"، وموضع السوط حوالي متر، "خير من الدنيا"، أي دنيا؟ الدنيا كلها من أولها إلى آخرها، وتشتمل على دنيا الملوك، ودنيا الأمراء، ودنيا الوزراء ودنيا المترفين، موضع السوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها، إذن الدنيا وصفت بذلك للوجهين المذكورين، "حسنة" كلمة مطلقة غير مبينة، ما هي حسنة الدنيا؟ المال الكثير، المراكب الفخمة، القصور المشيدة، البنون الكثر، الزوجات الحسان، كل شيء، ولهذا إذا وجدتم مثالاً على حسنة الدنيا فهذا على سبيل التمثيل، وليس على سبيل الحصر، كل ما يستحسن في الدنيا فهو داخل في قوله: "في الدنيا حسنة"، "في الآخرة" سميت آخرة؛ لأنها متأخرة الزمن؛ ولأنها آخر مرحلة للخلق ليس بعدها مرحلة، ولهذا يعبر الله عنها باليوم الآخر؛ لأنها آخر مرحلة.
وقوله: "في الآخرة حسنة" ما هي حسنة الآخرة؟ الجنة، وبدخول الجنة ينجو الإنسان من النار، قال الله تعالى:{للذين أحسنوا الحسنى وزيادة}[يونس: ٢٦].
"وقنا عذا النار" هذا من باب التبسيط في الدعاء، وإلا فمن المعلوم أننا إذا فسرنا حسنة الآخرة بالجنة، فإن من كان من أهل الجنة فقد وقاه الله عذاب النار، وقد يقال: إن الإنسان قد يكون من أهل الجنة، ولكن يعذب في النار بقدر ذنوبه، فيكون قوله: "وقنا عذاب النار" دعاء مستقلا ليس من لوازم الحسنة في الآخرة، والمعنى: آتنا في الآخرة حسنة ليس فيها سيئة؛ ولهذا قال: "وقنا عذاب النار".
في هذا الحديث فوائد منها: أنه ينبغي الإكثار من هذا الدعاء تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم.