المعاد النهائي الذي هو المأوى الأخير, وأما القبور فليس إليها المعاد, القبور عبارة عن زيارة يقوم بها الإنسان حتى يُبعث.
"واجعل الحياة زيادة لي في كل خير", لم يقل الرسول: أطل عمري: بل قال: "اجعل الحياة زيادة لي في كل خير", وهذه الحياة حقيقية أن يكتب الإنسان فيها خيراً, أما طول العمر فلا خير فهو إما لغو وإما إثم, ولهذا كره بعض أهل العلم الدعاء بطول البقاء, فمنهم من قال: إن هذا شيء فرغ منه فلا تدع بطول البقاء, لكن هذا التعليل عليل؛ لأن كل شيء فرغ منه حتى الرزق, لو قلنا: إن الشيء إذا فرغ منه فلا يدعي به لقلنا أيضًا لا تدع الله تعالى بعلم نافع, لأن هذا أيضًا فرغ منه! الملك الموكل بالأرحام يؤمر بكتب الرزق والأجل والعمل وشقي أو سعيد, لكن وجه الكراهة: هو أن طول البقاء قد يكون شراً «شر الناس من طال عمره وساء عمله» , ولهذا دعوت بالبقاء لأحد فقيده قل: أطال الله بقاءك على طاعة, ولهذا الرسول قال: «اجعل الحياة زيادة لي في كل خير» , ولا شك أن المؤمن كلما ازدادت أيامه في طاعة الله فإنه خير له, كم من إنسان بقي أياماً بعد غيره واكتسب بها درجات كبيرة فاق من سبقه.
«واجعل الموت راحة لي من كل شر» يعني: إذا أمتني فاجعل في موتي مصلحة وهي الراحة من كل شر, ومن ذلك الفتن والشبهات التي تعتري القلوب, التي تعتري الإرادات وفي الحديث: «إن أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون».
في هذا الحديث فوائد: منها: ما سبق أنه ينبغي للإنسان أن يدعو بهذا الدعاء السببين: الأول: ما فيه من الفائدة العظيمة العائدة للإنسان, والثاني: التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن فوائد الحديث: أن الدين أهم شيء على الإنسان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ به, ولهذا إذا أردت أن تدعو الله لشخص بصلاحه قل: أصلح الله لك الدين والدنيا, فابدأ بالدين؛ لأنه إذا صلح الدين صلحت الدنيا, دليل ذلك قوله تعالى: {من عمل صالحاً من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} [النحل: ٩٧]. فذكر الله له الجزاءين, جزاء في الدنيا وجزاء في الآخرة, وذكر العلماء عن السلف -رحمهم الله- أنهم يقولون: لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه -يعني: من راحة البال وطمأنينة القلب وانشراح الصدر- لجالدونا عليه بالسيوف.
ومن فوائد الحديث: أن الدين عصمة للإنسان يمنعه من الأعمال السيئة والأخلاق الرزيلة, وهو عصمة له في الآخرة يحصل به أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة.