الأول: براءة الذمة.
والثاني: عصمة المال, واحترام المال.
فكيف نقول لهذا الرجل: عليك الكفارة ونخرج شيئًا من ماله بدون دليل شرعي؟ !
وقال بعض أهل العلم: بل عليه الكفارة لحديث ابن عباس الذي ساقه المؤلف رحمه الله, والكفارة إما دينار أو نصف دينار, والدينار الإسلامي مثقال من الذهب, يعني: ما يزن مثقالًا من الذهب, أو نصف مثقال, وقيمته معروفة عند أهل الصرف.
ولكن الحديث - كما تشاهدون - اختلف العلماء في رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأكثر المحدثين بأنه موقوف على عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ثم الحديث فيه اضطراب في إسناده, وفيه أيضًا شيء من الاضطراب في موجبه ومقتضاه ديار أو نصف دينار, ولم يرد مثل هذا التخيير في جنس واحد, في أي كفارة من الكفارات, التخيير الذي يكون في الكفارات يكون بين جنسين طعام, أو كسوة, أو عتق مثلًا في كفارة الأيمان, أما أن يكون دينار أو نصفه فهذا لا يستقيم.
ثم هل الحديث صريح في الوجوب؟
الحديث يقول: «يتصدق» فيحتمل أن يكون على سبيل الاستحباب, ويحتمل أن يكون على سبيل الوجوب, واحتمال كونه على سبيل الوجوب أقرب؛ لأنه في مقابلة ذنب, والذنب لا يرفع إلا بواجب, لكن يبقى النظر في كونه مخيرًا بين الدينار أو النصف دينار, فهل هذا مستقيم؟ ثم يبقى النظر أن الحديث مختلف فيه, هل هو مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو من قول ابن عباس, ثم الحديث أيضًا فيه اضطراب في سنده ولذلك عدل عنه الإمام الشافعي رحمه الله وقال: «إن وطء الحائض ليس فيه كفارة, ولو صح الحديث لقلت به».
ولكن لا شك أن الإنسان إذا احتاط وكان الله قد أعطاه سعة من المال وكفر فإن هذا يكون سببًا لردعه عن العودة إليه, فإخراج الكفارة بلا شك أولى من التبعة.
فإذا قلنا: التخيير فيه إشكال وهو كيف يخير بين شيئين من جنس واحد أحدهما أقل من الآخر؟ فيقال: هذا من فضل الله عز وجل أن الله تعالى أوجب الدينار وهذا على الكمال, أو نصفه وهذا على الإجزاء, فالكمال دينار, والإجزاء نصف دينار, على أن بعض العلماء قال: إن هذا التخيير ليس تخييرًا تشهيًا ولكنه تنويع, وأنه إذا كان الجماع في فور الحيض فدينار, وإن كان في آخره فنصف دينار؛ لأن الحيض في فور الدم أشد ضررًا وأكثر إثما, ولكن الذي يظهر - والله أعلم - أنه على التخيير مطلقًا.
***