فيستفاد منه: أنه ينبغي المبادرة بصلاة العصر حتى ينصرف منها وهي بيضاء نقية.
١٤٤ - ومن حديث أبي موسى: «والشمس مرتفعة».
ولا فرق بين الحديثين في المعنى, لكن الأول ذكرها بالوصف ذكر الشمس بالوصف, والثاني ذكرها بالمكان, فلماذا قال: «مرتفعة» , وهناك قال: «بيضاء نقية»؟
١٤٥ - وعن أبي برزة الأسلمي - رضي الله تعالى عنه - قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العصر, ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية ...
قوله: «حية» يعني: ليس فيها تأثر, فهي بمعنى: نقية, وبمعنى: مرتفعة مما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم يبادر بها.
«وكان يستحب أن يؤخر من العشاء» «كان» أي: النبي صلى الله عليه وسلم «يستحب» محبة دينية لا محبة نفسية, لكن محبة دينية أن يؤخر من العشاء, ولكنه - عليه الصلاة والسلام - كما يراعي الناس إذا رآهم اجتمعوا عجل, وإذا رآهم أبطئوا أخر, وهكذا ينبغي للإمام أن يراعي المأمومين.
«وكان يكره النوم قبلها» أي: قبل العشاء؛ لأن الإنسان إذا نام فإما أن يكون نومه عميقًا فلا يقوم إلى العشاء, وإما ألا يتعمق في النوم فيتنكد إذا قيل له: قم إلى الصلاة, ويتفرق عليه نومه ولا يطمئن فيه, ثم إذا قام فسوق يقوم وهو كسلان لا يعي ما يقول في صلاته؛ فلذلك كان النبي صلى الله عليه ومسلم يكره النوم قبلها, وهل هذه الكراهة كراهة شرعية أو كراهة نفسية؟ يحتمل أن تكون هذه أو هذه, لكن إذا نظرنا إلى العلل ترجح عندنا أنها كراهة شرعية.
ولهذا قال العلماء - رحمهم الله -: يكره النوم قبل صلاة العشاء, ولكن قد يكون الإنسان مرهقًا في يوم, وإذا نام ولو ساعة بين المغرب والعشاء صار نشيطًا؛ فهذا نقول: إن النوم هنا لا يكره؛ لأنه نوم يراد به التقوي على العبادة والإقبال عليها بنشاط, وهذا يقع دائمًا, كثير من الناس يكون مرهقًا جدًا جدًا, ولو كان يصلي لم يستفد الفائدة المرجوة, فينام لمدة ساعة أو نصف ساعة حتى يزول عنه التعب, فنقول: هذا النوم الآن مطلوب؛ لماذا؟ لأنه يقوي على العبادة حتى يقبل الإنسان على صلاته وهو يعرف ماذا يقول؛ ولهذا أمر النبي - عليه الصلاة والسلام - الإنسان إذا قام يصلي وأتاه النوم أن ينصرف, وألا يمضي في صلاته مكرهًا نفسه على ذلك.