وقوله: «كان يصليها بغلس». الغلس: هو اختلاط ظلمة الليل بنور الفجر بحيث لا يغلب أحدهما الآخر؛ لأنه إن غلب نور الفجر فهو إسفار, وإن غلب ظلمة الليل لم يكن إسفارًا ولا غلسًا, بل هو الاختلاط.
* ففي هذا الحديث فوائد:
أولًا: أنه ينبغي للإمام مراعاة الناس في التقديم والتأخير في صلاة العشاء خاصة, وهل نقيس عليها غيرها؛ بمعنى: لو رأينا الناس يتأخرون فيما يُسن تقديمه هل نؤخره؟
الجواب: نعم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا عجل ما يسن تأخيره مراعاة للناس فلنؤخر ما يسن تعجيله مراعاة لهم, ولا فرق, فمثلًا إذا كانت هذه الدائرة فيها مسجد والموظفون مشغولون بالأعمال [ولا ينتهون] كلهم إلا في آخر الوقت, فهل نقول: إن الأفضل هنا التأخير من أجل مراعاة اجتماعهم؟ الجواب: نعم, إذا كان هذا هو الأرفق بهم, أما إذا كان هذا هو الأرفق بالكسالى, وأن النشيطين يحبون التقديم فلا عبرة بالكسالى.
ومن فوائد هذا الحديث: حسن رعاية النبي صلى الله عليه وسلم لأمته وأصحابه؛ حيث يراعيهم في العبادات إذا لم تتضمن هذه المراعاة وقوعًا في محرم, أو تركًا لواجب.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الإنسان يعذر للتأخر عن الصلاة إذا كان لا يخشى الفوات؛ لأن الصحابة يتعجلون في الوقت ويتأخرون فيه حسب الظروف: قد تكون أمطار, قد تكون ظلمة, قد تكون رياح توجب أن يتأخروا.
ومن فوائد هذا الحديث: أن السنة تقديم صلاة الصبح لقوله: «والصبح كان النبي صلى الله عليه وسلم يصيلها بغلس» , وهل يفرق بين الشتاء والصيف بالنسبة لتقديم صلاة الفجر؟ يرى بعضهم أن يفرق, فيقول: أسفر في صلاة الفجر إذا كان في الصيف؛ لأن الناس لا ينامون من الليل إلا قليلًا, وعجل في صلاة الفجر إذا كانت في الشتاء؛ لأن الناس ينامون كثيرًا, ويأتون إلى المسجد وهم على نشاطهم, فإن راعى الإمام المصلحة في ذلك فليفعل.
١٤٧ - ولمسلم من حديث أبي موسى: «فأقام الفجر حين انشق الفجر, والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضًا».
«أقام الفجر» أي: صلاة الفجر, والمراد بالإقامة هنا: الفعل, وليس الذكر المعروف. قلنا ذلك لنحمل «أقام» على معناه الحقيقي, وقد يراد بقوله: «أقام»؛ أي: أمر من يقيم, وحينئذ فيراد بالإقامة: الذكر المخصوص.