قبل المغرب, صلوا قبل المغرب» , ثم قال في الثالثة: «لمن شاء». وهذا يقتضي أن يكون بين غروب الشمس وبين صلاة المغرب وقت يتسع للصلاة, وهل يجوز أن تؤخر؟
الجواب: نعم يجوز؛ لأن وقتها موسع, إلى متى؟ إلى أن يبقى بينه وبين دخول وقت العشاء مقدار الصلاة؛ فحينئذ يجب أن يصلي لأنه لا يجوز أن يؤخر الصلاة عن وقتها ولا بعض الصلاة عن وقتها.
١٤٩ - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «أغتم النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة بالعشاء حتى ذهب عامة الليل, ثم خرج فصلى, وقال: إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي». رواه مسلم.
«أعتم»؛ أي: دخلت العتمة, والعتمة: اشتداد ظلمة الليل, وكان الرعاة يعتمون بالإبل, أي: يؤخرون حلبها إلى أن تظلم الأرض, فأعتم - إذن - بمعنى: أخر, «حتى ذهب عامة الليل» أي: حتى ذهب كثير من الليل, ولا يمكن أن نفسر «عامة» هنا بأكثر؛ لأننا لو فسرناها بأكثر لزم أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم صلاها بعد منتصف الليل, وهذا لا يمكن, بل «عامة» بمعنى: كثير, «حتى ذهب عامة الليل, ثم خرج فصلى, وقال إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي». وقال: «إنه»؛ أي: هذا الوقت الذي صلى فيه «لوقتها»؛ أي: لوقتها المختار «لولا أن أشق على أمتي».
ففي هذا الحديث دليل على جواز تأخير الصلاة للإمام عن الوقت المعتاد لقولها: «ذات ليلة» , و «ذات» هنا من حيث المعنى زائدة, وهي ترد بمعنى «صاحبة» مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال». وترد زائدة كثيرًا, مثل قوله تعالى: {وأصلحوا ذات بينكم} [الأنفال: ١]. أي: أصلحوا بينكم.
ومثله هذا الحديث أيضًا: «ذات ليلة» وتطلق في اصطلاح المتأخرين على النفس فيقال: الذات والصفة يعني: النفس, لكنها ليست من لغة العرب الأصيلة كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلا أن الناس يستعملونها كثيرًا بمعنى: النفس, «جاء زيد ذاته» بدل أن يقولوا: «جاء زيد نفسه».
وفي هذا دليل على احترام الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم, حيث لم يتقدم أحد منهم فيصلي بالناس؛ لأنه تأخر إلى أن ذهب جزء كبير من الليل.
ومن فوائد الحديث: أن الأفضل في صلاة العشاء التأخير لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنه لوقتها».