ومن فوائد الحديث: أن الأذان الذي رآه عبد الله بن زيد بن عبد ربه ليس فيه ترجيع؛ الترجيع: هو أن يأتي بالشهادتين سرًا, ثم يأتي بهما جهرًا, وهذا الترجيع علمه النبي صلى الله عليه وسلم أبا محذورة مؤذن مكة, لكن بلالًا مؤذن المدينة لم يؤمر به, فيكون من باب اختلاف الصفات في العبادة.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه ينبغي تأكيد الخبر إذا دعت الحاجة إلى ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أكد الخبر «إنها لرؤيا حق» بمؤكدين إحداهما (إن) , والثانية (اللام).
ثم قال: «وزاد أحمد في آخره قصة قول بلال في أذان الفجر: الصلاة خير من النوم». هذه تقال في أذان الفجر خاصة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها بلالًا, قال: «إذا أذنت الأول لصلاة الفجر فقل: الصلاة خير من النوم» , فكان يقولها رضي الله عنه, وهذا كالتأكيد لقوله: «حي على الصلاة» , وإنما زيدت في أذان الفجر؛ لأن الغالب على الناس أن يناموا فزيدت هذه تأكيدًا, لكن متى تكون؟ تكون بعد «حي على الفلاح» لا بعد فراغ الأذان كما يدل عليه السياق في أحاديث أخرى لم يذكرها المؤلف رحمه الله, واعلم أن لفظ الحديث: «الأذان الأول لصلاة الصبح»؛ فتوهم بعض الناس أن المراد به: الأذان الأول الذي يكون في آخر الليل, فصاروا يؤذنون في آخر الليل ويقولون: «الصلاة خير من النوم» , فأخطئوا في الفهم, وأخطئوا في التطبيق؛ لأن الأذان الأول محترزه الإقامة, فإن الإقامة تسمى أذانًا, والأذان الذي قبل دخول الصبح ليس لصلاة الصبح كما صرح بذلك النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: «إن بلالًا يؤذن بليل ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم, فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم». فليس للصلاة؛ ولأن الأذان للصلاة لا يكون إلا بعد دخول وقتها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم, وليؤمركم أكثركم قرآنًا» , فالأذان الذي يكون قبل الفجر ليس لصلاة الفجر, وهذا من الأشياء التي ننبه عليها دائمًا أن بعض الناس يفهمون من النصوص ما لا يراد بها, ولأمة تعمل على خلاف فهمهم, ثم ينفردون بهذا الفهم تطبيقيًا وعمليًا فيخالفون الناس, وهم معذورون؛ لأنهم مجتهدون, لكن لا يجوز التسرع فيما يخالف ما عليه الناس إلا بعد أن يتبين الحق تبينًا واضحًا, فحينئذٍ لابد من الحق.
قوله: «الصلاة خير من النوم» هي مفيدة لكونها خيرًا من النوم, لكن هل خير من البيع والشراء والتجارة, إذن لما قال: «من النوم»؟ لمناسبة الحال؛ ولهذا قال الله تعالى في صلاة الجمعة: {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم} [الجمعة: ٩]. يعني: خير لكم من البيع فلكل مقام مقال.