والقيام هو قادر عليه والستر غير قادر عليه, إذن يسقط لقوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن: ١٦]. وعلى هذا فيصلي قائمًا كالعابر عريانًا, هذا إذا كان خاليًا واضحًا أو كان في ظلمة, لكن إذا كان حوله أحد فهنا قد يشق عليه مشقة عظيمة مشقة نفسية أن يصلي قائمًا, فهل نقول: إن هذه المشقة واشتغال البال تبيح له أن يصلي جالسًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا صلاة بحضرة طعام, ولا هو يدافعه الأخبثان». واشتغال القلب في هذا أشد من اشتغاله بحضرة الطعام, فالقول في مثل هذه الحال بأنه يصلي جالسًا قريب جدًا, ويقال: إنه يصلي جالسًا لأجل كمال الصلاة وارتياح البال.
إذا لم يجد إلا ثوبًا نجسًا ولم يتمكن من غسله فماذا يصنع, هل يصلي بالثوب النجس ولا يعيد, أو يصلي بالثوب النجس ويعيد, أو يصلي عريانًا؟ ثلاثة احتمالات؛ المشهور عند فقهائنا - رحمهم الله - أنه يصلي بالثوب النجس ويعيد, وهذا قول ضعيف جدًا؛ لأننا إن قلنا: إن الصلاة في الثوب النجس حرام, حرم أن يصلي فيه, وإن قلنا: إن الصلاة في الثوب النجس للضرورة جائز امتنع أن نقول: أعد الصلاة؛ لأنه صلى على حسب ما أمر به, هل يصلي عريانًا مع إمكان الستر؟ لا يصلي عريانًا؛ لأنه لا شك أن ستر العورة بثوب نجس أولى من أن يصلي عريان, فالصواب أنه إذا لم يجد إلا ثوبًا نجسًا فإنه يصلي فيه ولا يعيد؛ لأن حمله للنجاسة في هذه الحال ضرورة, ويحصل به ستر العورة, فيحصل المقصود بسبب هذا المقصود, ويعفى عن النجاسة؛ لأنه غير قادر على اجتنابها؛ هذا هو القول الراجح في هذه المسألة.
إذا لم يجد إلا ثوبًا محرمًا كرجل ليس معه إلا ثوب حرير أيصلي عريانًا, أو يصلي في ثوب الحرير؟ نقول: يصلي في الثوب الحرير؛ لأنه لما اضطر إلى هذا الثوب زال التحريم, فصار لبسه في هذه الحال مباحًا, فيصلي وجوبًا في الثوب الحرير ولا إعادة عليه.
إذا لم يجد إلا ثوبًا مغصوبًا, يعني: رجل سرق ثوبًا ولبسه وحانت الصلاة, فهل نقول يصلي عريانًا, أو يصلي في هذا الثوب المحرم؟ قال بعض العلماء: يصلي عريانًا؛ لأن تحريم هذا ليس لحق الله ولكن لحق الآدمي, وهو لا يملك أن يتصرف في ملك غيره, فوجوده كعدمه, ولا شك أن هذا التعليل تعليل قوي أن يقال: إذا لم يجد إلا ثوبًا لغيره مغصوبًا يصلي عريانًا لأن وجوده كعدمه, لكن قد يعارض هذا التعليل القوي بأن الناس في مثل هذه الحال يتسامحون؛ بمعنى: أن صاحب الثوب لا نظنه يحرج هذا الذي لم يجد إلا هذا الثوب فإن غلب على ظننا أنه