للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ب"شيئا" وإن كان نكرة، فالمراد به: شيئا فوق العصا مثل مؤخرة الرجل، فإن لم يجد شيئا فلينصب عصا ينصبها قائمة، وليس يضجعه على الأرض، اللهم إذا كانت الأرض صلبة لا يمكن أن يغرزه فيها فحينئذ يضعه عرضا لا طولا.

فإن لم يكن عصا فليخط خطا، كيف يخط خطا؟ هل يخطه طولا أو عرضا؟ عرضا، وقال بعضهم: ينبغي أن يجعله مقوسا، لكن الحديث كما ترون مطلق، ولا شك أن المراد به، العرض، لكن هل يجعله مقوسا ممدودا؟ الأمر في هذا واسع، "ثم لا يضره ما مر بين يديه" "بين يديه" أي: ما وراء هذه السترة، وليس المراد بين يديه أي بينه وبين السترة، بل من وراء هذه السترة، قال ابن حجر رحمه الله: "ولم يصب من زعم أنه مضطرب" وهو ابن الصلاح رحمه الله، قال: من زعم أنه مضطرب لم يبين اسمه لفائدتين: الفائدة الأولى: أنه لا داعي لذكر الاسم؛ لأن المقصود هو الحكم. ثانيا: أنه ربما يكون أحد من الناس يزعم أنه مضطرب فيكون عدم التعيين مفيدا للعموم- أي: كل من زعم-، والاضطراب: هو اختلاف الرواة في حديث بحيث لا يمكن الجمع ولا الترجيح، والنسخ معروف أنه لابد من تأخر الناسخ، فإذا وجدنا حديثا اختلف الرواة في سنده أو متنه على وجه لا يمكن الجمع ولا الترجيح علمنا بأنه مضطرب، إلا أن نعلم تأخر أحد الحكمين فيكون ناسخا.

في هذا الحديث فوائد، منها: الأمر بوضع السترة لقوله: "فليجعل" وظاهر الحديث أنه لا فرق بين أن يكون في الفضاء والبنيان، ولا بين أن يخشى مارا أو لا يخشى، وقال بعض أهل العلم: إن ذلك فيما إذا خشي مارا، أما إذا لم يخش مارا فلا حاجة إلى السترة؛ كإنسان دخل المسجد وليس فيه أحد، ويعلم أنه لن يأتي أحد أو إنسان في برية ولا يخشى أحدا يمر فإنه لا يضع السترة، لكن هذا القول ضعيف، والصواب: أن السترة مشروعة سواء خشي مارا أم لا.

ومن فوائد هذا الحديث: التدرج من الأعلى إلى الأدنى، وأن الإنسان ينبغي أن ينشد الكمال أولا، فإن لم يحصل فما دونه، وهذا شيء يكون في مواضع كثيرة، مثلا نقول: في الوضوء الأصل: أن يتوضأ ثلاثا ثم مرتين ثم واحدة، فالتدرج من الأعلى إلى الأدنى كثير ومنه هذا الحديث.

ومن فوائد هذا الحديث: أن الأفضل فيمن أراد أن يستتر بعصا أن يجعله قائما لقوله: "فلينصب عصا" وهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه إذا أراد ان يضع سترة يركز العنزة على الأرض حتى تكون قائمة.

ومن فوائد هذا الحديث: أن المصلي إلى سترة يجعلها تلقاء وجهه لا يميل عنها يمينا ولا

<<  <  ج: ص:  >  >>