ساكن البادية دخل المسجد، ومسجد النبي - عليه الصلاة والسلام- بعضه مسقف وأكثره مفتوح - برحة- حتى إنه تضرب فيه الخيام.
الرجل دخل المسجد فانحاز إلى طائفة منه - أي: إلى جانب من المسجد- فجعل يبول قياسا على البر، هو في البر متى يحتاج جلس وقضى حاجته، فجلس يبول والصحابة - رضي الله عنهم- رأوا هذا منكرا عظيما وهو منكر صاحوا به زجروه كيف يفعل المنكر، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم الذي أوتي الرحمة والحكمة أمرهم أن يكفوا عن ذلك؛ لأن النهي هو طلب الكف على وجه الاستعلاء بصيغة مخصوصة نهاهم، قال:"لا تزرموه" يعني: لا تقطعوا عليه بوله، دعوه يبول؛ لأن قطع البول ليس بالأمر الهين صعب، فنهاهم النبي - عليه الصلاة والسلام-، فلما قضى بوله دعاه النبي - عليه الصلاة والسلام- وأمر أن يراق على البول ذنوبا من ماء من أجل أن يطهر، لما طهر المكان زالت العلة، تنجس المكان فدفعت النجاسة زالت العلة.
بقي علينا الآن قضية الأعرابي، الأعرابي دعاه النبي - عليه الصلاة والسلام- ولم يوبخه ولم يكفهر في وجهه، بل قال له:"إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من الأذى أو القذر"، ثم بين له أنها بنيت للصلاة وذكر الله وقراءة القرآن، أو كما قال.
الأعرابي اطمأن، انشرح صدره، الصحابة - رضي الله عنهم- زجروه، والرسول - عليه الصلاة والسلام- كلمه بكلام معقول يفهم ويطمئن إليه، المساجد لا يصلح فيها شيء من الأذى أو القذر لماذا بنيت؟ للصلاة والذكر وقراءة القرآن، أو كما قال.
الأعرابي انشرح صدره أو كما يقول العامة:"انبسط" فقال: "اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا" على فطرته؛ "ارحمني ومحمدا"؛ لأن محمدا - عليه الصلاة والسلام- لم يزجره ولم يوبخه، بل كلمه بكلام رقيق مفهوم معقول، "ولا ترحم معنا أحد"، لمن يشير؟
الظاهر: أول ما يشير يكون الصحابة؛ لأن الصحابة زجروه ومع ذلك لم ينكر عليه الرسول - عليه الصلاة والسلام- لأنه يعرف أن هذا ما صدر عن بغض ولا عن كراهية لكن أناس زجروه وأرادوا أن يقوم من بوله فيتضرر، فقال هكذا.
في هذا الحديث فوائد كثيرة منها: جهالة الأعراب وأنهم أهل الجهل، وقد قال الله تعالى في القرآن الكريم في آخر التوبة:{الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء والله سميع عليم}[التوبة: ٩٧، ٩٨]. هذان قسمان.
{ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربت عند الله وصلوات الرسول ألا إنها قربة لهم}[التوبة: ٩٩]. لكن الغالب على الأعراب هو الجهل، ومن ثم