والإكرام ما ليس لغيرها؛ ولهذا لا يوجد بقعة يشرع لقاصدها أن يحرم إلا مكة, فلا يمكن أن يقاس عليها غيرها, وادعاء النسخ يحتاج إلى شيئين:
الأول: العلم بالتاريخ.
والثاني: تعذر الجمع, فإن لم يتعذر الجمع فهو واجب, وإذا لم نعلم التاريخ فيجب التوقف, إذن الصحيح أنه يجوز أن يدخل الكافر المسجد, ولكن هل هذا بلا قيد أو بقيد؟ يجب أن يكون بقيدة, فإذا علمنا أنه دخل المسجد ليأخذ صورة يعرضها على قومه ويقول: انظروا إلى مساجد المسلمين, وانظروا إلى الكنائس عندنا كيف تكون الكنائس مرصعة بالذهب وموشاة بالنقوش وما أشبه ذلك, وهذه مساجدالمسلمين, فهذا يمنع منعًا باتًا ولا يمكن أن يمكن من دخول المسجد لما في ذلك من الضرر على المسلمين فهذا يمنع, كذلك إذا خيف منه الإضرار بالمسجد كتخريق فرشه وإفساد أنواره وما أشبه ذلك, فإنه يمنع بلا شك؛ لأن هذا لو وقع من غير الكافر منع فكيف بالكافر.
الثالث: أن يدخل المسجد لمصلحة المسجد كرجل مهندس فني دخل ليصلح المسجد يصلح أضواءه أو مكبر الصوت فيه أو غير ذلك فهذا لا شك أنه جائز؛ لأن دخوله الآن لمصلحة المسجد وليس في دخوله ضرر.
الرابع: أن يدخل المسجد ليطلع على صلاة المسلمين لا لقصد الشماتة بهم, ولكن ليتعرف على الإسلام كيف هو وكيف العبادات فهذا جائز, بل مطلوب لعل في ذلك دعوة له للإسلام فهذا مطلوب.
الخامس: أن يدخل المسجد ينتفع بدخوله كما لو دخل ليشرب من الثلاجة التي في المسجد أو دخل المسجد لهبوب رياح باردة, أو لحرارة شمس أو ما أشبه ذلك فهنا نمكنه من الدخول حتى يرى أن في الإسلام فسحة, وأن الإسلام يراعي مصلحة البشر إذا لم يكن في ذلك ضرر على الدين, والقاعدة أنه إذا تضمن دخول الكافر المسجد إضرار بالمسجد أو بسمعة المسلمين فإنه يمنع, وإذا كان لمصلحة الداخل كشرب ماء, أو استظلال عن شمس, أو اتقاء لبرد فهذا جائز, وإذا كان للدعوة إلى الإسلام ومعرفة عمل المسلمين في صلاتهم فهذا مطلوب, وكذلك لو كان لمصلحة المسجد إذا لم يوجد مسلم يقوم مقامه, فإذا وجد مسلم يقوم مقامه فلا ينبغي أن يؤتى بكافر.
ومن فوائد هذا الحديث: أن في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم سواري؛ أي: أعمدة وهذا معروف, ولكن كلما قلت الأعمدة في المسجد فهو أفضل حتى لا تحول الأعمدة بين المصلين.
فإذا قال قائل: وهل يجوز أن يصلي الناس بين الأعمدة في الجماعة؟