للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المساجد لم تبن لهذا» يحتمل أن تكون هذه الجملة تعليلًا من النبي صلى الله عليه وسلم للحكم, ويحتمل أن تكون مقرونة بالقول لهذا المنشد, بمعنى أن نقول: عندما نسمع من ينشد الضالة «لا ردها الله عليك» فإن المساجد لم تبن لذلك, ويحتمل أن نقتصر على قوله: «لا ردها الله عليك» ونقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم علل الدعاء بعدم ردها أن المساجد لم تبن لذلك الاحتمال متوازن, ولكن في هذه الحال ينظر ما تقتضيه الحال إذا كان قولها لهذا الذي ينشد فيه طمأنينة فالأولى أن تقال: وإذا كانت ربما تفتح باب الجدل؛ لأن قوله: «هذه المساجد لم تبن لهذا» لكن ما المعنى؟ فالأولى حذفها فينظر الإنسان في هذه المصلحة, فإن لم تتبين المصلحة فالأفضل أن يقولها؛ لأنها لا شك سوف تقنع هذا المنشد إذا بين له أن المساجد لم تبن لهذا؛ إذن لأي شيء بنيت؟ قلنا كما قال الرسول - عليه الصلاة والسلام - لقراءة القرآن والذكر والصلاة, والعلم وما أشبه هذا.

من فوائد هذا الحديث: تحريم إنشاد الضالة في المسجد, وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أباح لنا, بل أمرنا أن ندعو الله تعالى ألا يردها عليه, ولا شك أن من دعا على صاحب الضالة ألا يردها عليه لا شك أن عدوان, والعدوان لا يجوز إلا إذا كان في مقابل عدوان, يعني: لو سمعت رجلًا ينشد ضالة في السوق, هل يجوز أن تقول: لا ردها الله عليك؟ لا يجوز, وما كان ممنوعًا فإنه لا يباح إلا لدفع ما هو مثله أو أعظم, وعلى هذا فنقول: في هذا الحديث دليل على تحريم إنشاد الضالة في المسجد.

وهل يقاس على الضالة اللقطة؛ لأن الضالة هي الضائع من الحيوان: إبل, أو بقر, أو عنز, واللقطة من غير الحيوان, فهل نقول: إن إنشاد اللقطة كإنشاد الضالة؟ الجوةاب: نعم, والقياس قياس جلي لقوله صلى الله عليه وسلم: «فإن المساجد لم تبن لهذا» , نقول: وكذلك لو أنشد ضائعًا غير ضالة فالحكم واحد, وهل مثل ذلك لو نشدها يعني: يطلب من هي له مثل أن يكون شخص وجد شيئًا في السوق, دخل المسجد وقال: أيها الناس, من ضاع له كذا وكذا, أو هذا يختلف عن الأول؟ الأول: يطلب ماله, وهذا يطلب التخلي عن مال غيره, فالصورتان بينهما فرق لا شك, فهل هما سواء في الحكم؟ الجواب: لا ليسا سواء في الحكم؛ لأن الثاني محسن, ولكن يقال: العلة «فإن المساجد لم تبن لهذا» تنطبق عليه؛ لأن المساجد ليس موضع إنشاد الضائع أو الضال؛ ولهذا فرق بعضهم فقال: إن كان وجدها في المسجد فليقل: لمن هذا؟ لأن الناس محصورون في المسجد, وإن كان وجدها خارج المسجد فليطلب صاحبها عن الأبواب خارج المسجد, وهذا القول جيد وربما لا يسع الناس العمل إلا به, فمثلًا نحن هنا في المسجد حينما قمنا وجد أحدنا قلمًا, أو ساعة, أو كتابًا فله أن يقول: لمن هذا الكتاب؟ لمن هذا القلم؟ أما لو كان شيئًا وجده في الشارع ثم وجد الناس مجتمعين فقال: هذه فرصة فجعل يسأل لمن هو له, فهنا

<<  <  ج: ص:  >  >>