فقرن الأحكام بالعلل فيه هذه الفائدة العظيمة, وهي زيادة الطمأنينة بأن الإنسان يأتي بالحكم ويلتزم الحكم إذا علم علته ونفسه مطمئنة تمامًا.
الفائدة الثاني: بيان أن هذه الشريعة الإسلامية مبنية على الحكم ووضع الأشياء في مواضعها, وليست تشريعات خالية من الحكمة وهذه فائدة عظيمة؛ ولهذا لا تجد شيئًا في الشريعة الإسلامية إلا وله حكمة, فإما أن تكون معلومة لنا, وإما أن تكون أفهامنا قاصرة, لكن من حكمتها: الابتلاء؛ أن الله تعالى يبتلي الإنسان بعبادة يقوم بفعلها وهو لا يدري ما الحكمة فيها, وهذه حكمة لا شك لأنها تفيد زيادة التعبد والتذلل لله عز وجل, وإن مقام الإنسان أن يقول: سمعنا وأطعنا.
الفائدة الثانية: أنه إذا كانت هذه العلة متعدية أمكن القياس على المعلول في حكمه, مثال ذلك: قول الله - تبارك وتعالى -: {قل لا أجد في ما أوحي إلى محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتةً أو دمًا مسفوحًا أو لحم خنزير فإنه رجس} [الأنعام: ١٤٥]. وحديث أنس أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر أبا طلحة فنادى يوم خيبر: «إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس». هنا نقيس على ذلك كل رجس, ونقول: كل رجس فهو حرام, والرجس هو النجس؛ ولهذا من القواعد المقررة: «أن كل نجس حرام, وليس كل حرام نجسًا»؛ فالسم مثلًا حرام وليس بنجس, الدخان حرام وليس بنجس, لكن لحم الخنزير نجس فهو حرام, فهاتان قاعدتان مفيدتان: كل نجس حرام وليس كل حرام نجسًا, فهذه ثلاثة قواعد في ذكر العلة المقرونة بالحكم.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الله - سبحانه وتعالى - قد يقدر للإنسان ما يهتدي به إلى ضالته أو تأتي الضالة نفسها مأخوذة من قوله: «لا ردها الله عليك» , وحينئذ ينبني على هذه الفائدة أن تلجأ إلى الله عز وجل كلما ضاع لك شيء فقل: «اللهم رده علي»؛ لأن الذي يرده هو الله سبحانه وتعالى, فقد يأتي الرد بدون فعل أي سبب من الإنسان, ودليل ذلك في القصة التي ذكرها الرسول - عليه الصلاة والسلام - قال: «لله أشد فرحًا بتوبة عبده من الرجل الذي ضاعت ناقته وعليها طعامه وشرابه, فلما أيس منها نام تحت شجرة ينتظر الموت, وإذا بخطامها قد تعلق بالشجرة فأخذها وقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك, أخطأ من شدة الفرح». من الذي ردها علي؟ الله عز وجل وإلا فالرجل قد تعب وأيس منها, فالمهم أنه إذا حصل ضياع من أي شيء من أموةالك فالجأ إلى الله فإن الله تعالى قادر على ردها, ويؤخذ من هذا أيضًا: أن ما كان أهل الجاهلية يستعملونه من الاستعانة بالجن في رد الضالة باطل, وكذلك الاستعانة بسيد الجن في مكانة باطل؛ لأن هذا إنما يملكه الله عز وجل.