جعل فيها ربحًا, والتجارة هي: الأموال التي يطلب فيها الربح من أي نوع كانت, من ثياب, أو أوان, أو أخشاب, أو حديد, أو سيارات, أو مكائن, أو غير ذلك, كل ما يطلب فيه الربح فهو تجارة؛ ولهذا ندعو عليه بما يناقض قصده؛ لأنه إنما باع واشترى في المسجد بقصد الربح فتدعو عليه بما يناقض قصده «لا أربح الله تجارتك» , ويقال في تعليل هذا ما قلنا في تعليل إنشاد الضالة, أي: أن المساجد لم تبن لهذا, أي: للبيع والشراء, وإنما بنيت لذكر الله تعالى وقراءة القرآن, والصلاة وما أشبه ذلك.
في هذا الحديث: جواز البيع والشراء, وجهه: أنه لما منع في المسجد علم أنه في غير المسجد جائز.
ومن فوائده: تحريم البيع والشراء في المسجد سواء وقع الإيجاب والقبول في المسجد, أو وقع أحدهما خارج المسجد والثاني في المسجد لقوله: «من يبيع أو يبتاع» , قد يقع الإيجاب خارج المسجد والقبول داخل المسجد, كما لو وقع ذلك من رجلين عند دخول المسجد, فقال أحدهما للآخر: بعت عليك كذا, فقال الثاني: قبلت, فهو داخل في الحديث؛ لأنه قال: «من يبيع أو يبتاع». المثال فيما تأخر الإيجاب لو أن القبول هو الذي تأخر, ولكن القبول صار خارج المسجد والإيجاب كان داخل المسجد يصح أو لا يصح؟ كرجلين اتجها إلى باب المسجد وقبل الخروج قال أحدهما للآخر: بعت عليك كتابي هذا, وبعد الخروج قال الثاني: قبلت, فكلاهما محرم.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه إذا وقع البيع والشراء في المسجد فهو باطل, وجهه: أن كل شيء نهي عنه من عبادة أو معاملة إذا فعل على الوجه المنهي عنه كان باطلًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل». هذا دليل التعليل, ولو أننا صححنا ذلك لكان لازمه أن ينفذ العقد, وفي هذا مضادة ومحادة لله - تبارك وتعالى - إذ إن النهي عنه ماذا يقتضي؟ يقتضي عدمه, وعدم تعاطيه, فإذا صححناه صار ذلك معاكسًا لما جاء به الشرع.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه يجوز في المسجد ما سوى البيع كالهبة, والإبراء من الدين, وعقد النكاح, واستيفاء الدين والقرض, وما أشبه ذلك لعدم دخولها في البيع والشراء, وعلى هذا فلو أن شخصًا استوفى دينه من غريمه في المسجد فهو جائز, ولو أبرأه - أي: الدائن أبرأ غريمه من الدين في المسجد - فهو جائز.