نقول: هؤلاء -عفا الله عنهم- ليسوا على صواب من جهة السنة، فالإرسال ليس بسنة لا قبل الركوع ولا بعد الركوع، والإمام أحمد رحمه الله قال: إنه إذا قام من الركوع يخير بين أن يضع اليمنى على اليسرى أو يرسل، وكأنه -والله أعلم- لم يصح عنده، فقال: إن شاء الأمر على طبيعته وأرسل يديه، وإن شاء وضع اليمنى على اليسرى، لكن الأرجح أن يضع يده اليمنى على اليسرى قبل الركوع وبعد الركوع.
فإن قال قائل: إذا كنت أصلي خلف إمام يرسل يديه، وأنا أرى أن السنة خلاف ذلك، فهل أتابع إمامي أو لا؟ الصواب: لا، لأن وضع اليد اليمنى على اليسرى لا يقتضى مخالفة الإمام ولا في التخلف عنه؛ لأنه يتابعه في القيام والركوع والسجود والقعود، ونظير ذلك: لو كان الإمام لا يرى التورك في التشهد الأخير من الثلاثية والرباعية، وأنا أرى التورك في التشهد الأخير من الثلاثية والرباعية، فهل أوافق الإمام أو لا؟ لا أوافقه؛ لأني إن توركت لا أختلف عليه، وكذلك بالعكس لو كان الإمام يرى التورك وأنا لا أرى التورك فلا يلزمني أن أتابعه في هذا.
مسألة الجلسة في الوتر من الصلاة، يعني: إذا أراد أن يقوم للثانية أو للرابعة يرى الإمام الجلوس فيجلس والمأموم لا يرى الجلوس، فهل يجلس أو لا؟
نقول: يجلس لمتابعة إمامه، لأنه لو لم يتابعه لنهض قبله، وهذه مخالفة، لو كان الأمر بالعكس الإمام لا يرى الجلوس والمأموم يرى الجلوس، فهل يجلس أو لا يجلس؟
يقول شيخ الإسلام رحمه الله: لا يجلس، لأنه إذا جلس لزم أن يتخلف عنه، والجلسة التي تسمى جلسة الاستراحة ليست كما يفعله بعض الناس الآن تجده يجلس ثم يقوم مع أن حديث مالك بن الحويرث يقول:"حتى يستوي قاعدًا" إذا كان في وتر من صلاة لم ينهض حتى يستوي قاعدًا، ثم وصف قيامه فقال:"فيعتمد بيديه على الأرض ثم يقوم"، وإذا تأملت هذه الصفة وهذا الفعل علمت يقينا -أو قريب اليقين- أن الصواب في جلسة الاستراحة إنما هي للحاجة فقط؛ لأن كونه يعتمد على يديه بعد أن يجلس يدل على أنه لا يستطيع أن ينهض بسرعة، وهذا القول هو الوسط في هذه المسألة: أنها للحاجة سنة، ولغير الحاجة لا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما فعلها عند الحاجة فيما يظهر، وهذا هو الذي يقتضيه المعنى، ومالك بن الحويرث من الوفود، والوفود أكثر ما كانوا في السنة التاسعة بعد أن أخذ النبي صلى الله عليه وسلم اللحم.