للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على هذا البلاء؛ فتوقف، وكان من عادته رضي الله عنه أنه في الأمور العامة لا يعتد برأيه يشاور، مع أن رأيه قريب جدًا من الصواب، وكان يصيب كثيرًا في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم في عمر: "إن يكن فيكم محدثون فعمر"، لكن توقف وشاور الصحابة الأنصار والمهاجرين والكبراء منهم، ولم يصل إلى نتيجة إلا أنه ترجح أن يرجع فأمر بالرجوع، فحصل بينه وبين أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه مناقشة والقصة مشهورة، حتى جاء عبد الرحمن بن عوف وأخبرهم أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا سمعتم به في أرض فلا تقدموا عليها".

انظر الآن كل الذين مع عمر لم يبلغهم هذا الخبر، فجائز أن الصحابي الكبير يخفى عليه الحكم؛ لأنه لم يبلغه النص، أرأيتم عمر بن الخطاب أنكر على القارئ الذي قرأ من القرآن آية، أنكر عليه؛ لأن عمر لم يسمعها من الرسول، حتى احتكما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأقر هذا وهذا، مع أن إنكار شيء من القرآن ليس بهين، لكن أنكره عمر لأنه ما بلغه.

فالمهم: أنه يشترط لكون قول الصحابي حجة -والصحابي كما سمعتم أولًا هو من كان فقيهًا- ألا يخالف النص، فإن خالف النص فلا، ولهذا قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه: "يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول: قال رسول الله، وتقولون: قال أبو بكر وعمر؟ ! ". يوشك أن تنزل على الناس حجارة من السماء؛ لأنهم خالفوا قول الرسول صلى الله عليه وسلم لقول أبي بكر وعمر مع أن قول أبي بكر وعمر له تأويل في مسألة المتعة -متعة الحج- كان النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة لحجة الوداع أمر بالتمتع، وأن من لم يسق الهدي فإنه يجعلها عمرة، وحتم في ذلك وغضب لما لم يقبلوا، أما أبو بكر وعمر فرأيا رضي الله عنه أن يقوم الناس أيام الحج بالحج فقط ويجعلوا العمرة في وقت آخر حتى يكون البيت دائمًا معمورًا بالزوار وقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك لكون أهل الجاهلية يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، فأراد أن يبين أنها ليست من أفجر الفجور، فتأولا رضي الله عنه وأمرا بإفراد الحج. فعلى كل حال تقول:

الشرط الأول: ألا يخالف النص.

الشرط الثاني: ألا يخالف صحابيًا آخر، فإن خالف صحابيًا آخر فإنه لا يكون حجة؛ لأننا نقابل هذا الصحابي بالصحابي الآخر، فماذا نصنع؟ نقدم من نرى أنه أرجح لعلمه الواسع، فإذا

<<  <  ج: ص:  >  >>