قال بعض أهل العلم: إنما رفع صوته بذلك ليعلم الناس، هل هذا الجواب صحيح؟ لا؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يعلم أصحابه بالقول دون أن يحدث بدعة في دينه وهو رفع الصوت بالذكر بعد الصلاة، فيقول للناس: اذكروا الله كذا وكذا مثل ما علم الأنصار قال: "تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين"، فكيف يواظب على شيء هو بدعة لأجل أن يعلم الناس، أليس يستطيع أن يعلم بقوله؟ بلى، ولا شك، فإذن نقول: لماذا لم نجهر بـ"سبحان ربي الأعلى" في السجود و"سبحان ربي العظيم" في الركوع، لماذا لم نجهر بالاستفتاح ليعلم الناس؟ فهذا الجواب إنما قاله من قاله عند المضايقة؛ لأنه لا يستطيع أن يقول: هذا غير صحيح، لأنه ثابت فيجيب بهذا الجواب البارد، وانتبهوا لهذا إذا طالعتم كتب الخلاف تجدون العجب العجاب من أجوبة العلماء -رحمهم الله-، وسبب ذلك: أنهم يعتقدون أولًا ثم يستدلون ثانيًا، فإذا اعتقدوا شيئًا وجاءت النصوص بخلافه حاولوا أن يجيبوا عن ذلك بأجوبة قد تكون مستكرهة أحيانّا؛ لأن هذه الأدلة أثبت، بخلاف ما يعتقدون فتجدهم يلوون أعناق الأدلة إلى ما يريدون، وهذه خطيرة جدًا، ولولا إحسان الظن بالعلماء -رحمهم الله- لكانت المسألة خطيرة، لكنا وقعنا فيما وقع فيه بنو إسرائيل من تحريف الكلم عن مواضعه، ولهذا أنصح نفسي وإياكم أن نطالع الأدلة على أننا لا نعتقد شيئًا أبدًا حتى تدل الأدلة عليه، أو أن نعتقد ولكن نستدل، فإذا وجدنا الدليل يخالف ما اعتقدنا أخذنا به وتركنا الأول، وما أكثر ما يتراجع العلماء الأئمة عن أقوالهم إذا تبين لهم الحق، بل حتى الخلفاء الراشدون إذا تبين لهم الحق رجعوا إليه.