قوله:((شهرًا)) ظرف زمان، ولم يقل: من أوله ولا من وسطه ولا من آخره، فيكون المراد: مدة الشهر سواء من أوله أو وسطه أو آخره، والشهر إذا أطلق فهو ما بين الهلالين، ولا عبرة بالأيام ما دامت الأهلة ترى وتشاهد، وهل ينبني على ذلك أن جميع ما قدر بالشهور هل يعتبر بالأيام وتكمل (٣٠) يومًا، أو بالأهلة؟ الجواب: الثاني، ولهذا إن امرأة توفي عنها زوجها وقلنا: تعتد أربعة أشهر وعشرا، فالمعتبر الهلالية من أول العدة إلى آخرها، وقول من قال: إنها بالعدد إذا مات في أثناء الشهر تكون بالعدد بالنسبة للشهر الأول والأخير، وبالأهلة بالنسبة لما بينهما فقول ضعيف والصواب أن المعتبر الأشهر الهلالية هكذا إذا أطلقت.
وقوله:((يدعو على أحياء من العرب، ثم تركه)) ((تركه)) يعني: ترك القنوت، لأي سبب هو قنت- عليه الصلاة والسلام- لانجاء المستضعفين، فلما أنجاهم الله توقف، وهؤلاء قنت عليهم شهرا ثم تركه، إما لأن المسألة برزت عن أولها وزال ما في نفوس الناس، وتكره لئلا يكون سنة راتبة أو لسبب من الأسباب لا نعلمه، فما هو القنوت؟ القنوت في الأصل: الدعاء بإخلاص وإلحاح، وله معان كثيرة، حتى إنه يطلق على ((السكوت)) كما في قوله تعالى: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين}[البقرة: ٢٣٨]. ويطلق على الدعاء المعروف في قنوت الوتر:((اللهم أهدنا فيمن هديت)) .. ألخ، ويطلق على الدعاء المناسب للحادثة، وهذا هو المراد في هذا الحديث، إذن المراد بالقنوت في هذا الحديث: دعاء النبي صلى الله عليه وسلم المناسب للحادثة، ولما كان الناس يقنتون في فتنة البوسنة كان بعض الأئمة- كما بلغني- يدعو بدعاء القنوت يقول:((اللهم أهدنا فيمن هديت))، وهذا لا مناسبة له أصلا.
في هذا الحديث من الفوائد: جواز القنوت بالدعاء على أحياء من العرب أو غير العرب إذا كانوا مؤذين للمسلمين، ولكن هل هذا في كل مصيبة نزلت؟ لا، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقنت على العرب الذين حصل منهم ما حصل، كذلك أيضا في الأحزاب نزل بالمسلمين نازلة عظيمة وصفها الله تعالى بقوله:{إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا}[الأحزاب: ١٠]. ولم يقنت في بدر كان له عريش يدعو الله فيه لا في الصلاة، وعليه فليس كل نازلة يقنت لها، ثم القنوت لمن؟ هل كل واحد يقنت؟ فيه أقوال للعلماء: المذهب أنه لا يقنت إلا الإمام الأعظم فقط، الإمام الأعظم مثلًا هنا في السعودية هو الملك فهد لا غيره، فجميع الناس في جميع المساجد لا يقنتون، وعللوا ذلك بأنه لما قنت النبي صلى الله عليه وسلم لم يقنت أحد سواه في مساجد المدينة، ولم يأمر أحدا أن يقنت. هذه واحدة.
ثانيًا: قالوا: إن المعني بشئون المسلمين هو الإمام الأعظم ليس كل أحد، فيكون مشروعية القنوت خاصا به، وهذا القول له وجهة نظر، لكن إذا أذن بالقنوت لجميع المساجد صار