وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول عبده ورسوله: ، وفيه صفة أخرى: حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه التشهد: "التحيات المباركات، الصلوات الطيبات لله"، وهذه تختلف في هذه الجمل عن حديث ابن مسعود أيهما نختار؟ اختار بعض العلماء تشهد ابن مسعود، وقال: لأنه ثابت في الصحيحين، فهو أقوى من حديث ابن عباسٍ الثابت في مسلم، ولأنه فيه عطف لهذه الجمل:"التحيات لله، والصلوات والطيبات"، أما هذا فليس فيه عطف، والعطف يقتضي المغايرة، فيكون حديث ابن مسعود الأعلى معنى أكثر من حديث ابن عباس، ولهذا رجحوا حديث ابن مسعودٍ رضي الله عنهما، ولكن الصحيح: أنه لا ترجيح ما دام يمكن العمل بالحديثين جميعًا كما هو القاعدة المتبعة فيما إذا وردت النصوص مختلفة وأمكن الجميع بينها، فإننا لا نلجأ إلى الترجيح، لأن الترجيح معناه: الأخذ بالراجح وإهمال الآخر، وهذا لا ينبغي، والجمع هنا ممكن، وإذا بالجمع فكيف نجمع؟ هل نقولهما في آنٍ واحد، ونقول:"التحيات لله، والصلوات والطيبات، التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله"؟ لا، ولكن نقول هذا أحيانًا وهذا أحيانًا لنعمل بالسنة، وهذا هو الصحيح أنه ينبغي للإنسان أن يتشهد بما دل عليه حديث ابن مسعود أحيانًا، وأحيانًا بما دل عليه حديث ابن عباسٍ حتى يأتي بالسنة على وجهيها، وفي هذا أيضًا فائدة: إذا تشهد بهما جميعًا وهو حفظ السنة، ولذلك الذين يستمرون على حديث اين مسعودٍ لو تسألهم عن حديث ابن عباسٍ ما يعرفونه، فإذا عمل بالنصين جميعًا صار في ذلك حفظ للسنة.
وقد سبق لنا فائدة إتيان بعض العبادات على وجوهٍ متنوعة، وقلنا: من فائدتها أن تنوع الذكر سكون أبلغ في الثناء على الله، لأن في هذا الذكر ما ليس في الثاني.
وقلنا أيضًا من فوائده: أن الإنسان يستحضر ما يقول، لأنه إذا ذكر الله بهذا الذكر في هذه المرة ثم ذكره بالذكر الآخر في المرة القادمة صار قلبه حاضرً، أما إذا لزم ذكرًا واحدًا فصار- كما يقولون- كالآلة الأوتوماتيكية يفعله على العادة بخلاف ما إذا جعل نفسه تتطلع مرةً إلى هذا ومرةً إلى هذا، صار عنده استحضارًا أكبر.
الفائدة الثالثة: أن هذا أيسر على المكلف فيما كانت الأنواع بعضها أيسر من بعض، فإن هذا قد يكون في بعض الأحيان ما يناسبه إلى الأسهل والأيسر، مثال ذلك: أذكار الصلوات، الذكر خلف الصلوات فيه عدة وجوهٍ منها: أن تذكر الله فتقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، كل الأربع تذكرها (٢٥) مرةً فيكون المجموع مائة.
ومنها: أن تقول: "سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله (٣٣)، الحمد لله (٣٣)، الله أكبر (٣٤) فيجتمع مائة.