المغرب وراتبة العشاء، هذه لا تصلي، وأما الوتر فليس من الرواتب؛ لأن الرواتب هي: السنن التابعة للصلوات الخمس، والوتر ليس منها، ولهذا نقول: إن المسافر يصلي الوتر، ويقوم الليل، ويصلي الضحى، ويصلي الاستخارة، ويصلي تحية المسجد، وينتفل تنفلًا مطلقًا، كل المواطن مشروعة في حقه، باقية على مشروعيتها، أما الرواتب- وهي النوافل التابعة للصلوات المكتوبة- فلا يصلي منها إلا راتبة الفجر، فإنه لا يدعها حضرًا ولا سفرًا، وفي صحيح مسلم:"ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها"، (ركعتا الفجر)، كيف ركعتا الفجر: بالفتج مع أنه مبتدأ؛ لأنه مثنى لكن تسقط الألف لأن الذي بعدها همزة وصل، وقد قال ابن مالك.
إن ساكنان التقيا اكسر ما سبق ... وإن يكن لينا ففتحه استحق
وهذا لين "ألف" فيفتح، ولا حاجة إلى أن تتوقف وتقول: ركعت الفجر، بل نقول:"ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها" وهذا نظير قوله تعالى: {ولقد أتينا داود وسليمان علمًا وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين}(النمل: ١٥). لا نتوقف ونقول:"وقال الحمد لله، ليس هناك داعٍ، بل نقول:{الحمد لله الذي فضلنا على كثيرٍ من عباده المؤمنين}؛ لأن الألف تسقط عند التقائها بهمزة الوصل، وهنا "ركعتا الفجر خير من الدنيا وفيها". أي دنيا هي؟ الدنيا كلها في كل زمان ومكان ركعتان خير من الدنيا كلها، والخيرية هنا ظاهرة؛ لأن ثواب هاتين الركعتين باق، والدنيا كلها زائلة وما فيها زائل:{كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام}(الرحمن: ٢٦ - ٢٧). تصور كيف كانت حال الدنيا .. من مضى من الملوك والعلماء والتجار وغيرهم ماذا كانوا بعد أن ذهبوا؟ كانوا كما كانوا قبل أن يولدوا مضوا وكأن لم يكونوا بعد! يقول الله (عز وجل) في سورة الإنسان {هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئًا مذكورًا}(الإنسان: ١) ثم ذكر بعد ولادته وإذا مات صار حبرًا من الأخبار:
بينا يرى الإنسان فيها مخبرًا ... حتى يرى خبرًا من الأخبار
كان يتحدث بالناس، ولكن الآن صار الناس يتحدثون به، فركعنا الفجر خير من الدنيا وما فيها، لو ذكر للواحد أنه يوجد في بلد بعيد، يوجد قصر (فيلا) إذا جاء الإنسان إليها فإننا نعطيها إياه مجانًا جزاء له على سفره الطويل أيذهب الناس إليها أم لا؟ لا شك أنه يذهب الناس إليها مع التعب الشديد، مع أنها ربما تنهدم قبل أن يموت صاحبها، أو يموت ويدعها! لكن "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها" فضل عظيم، ولولا أنه ثابت عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لقال قائل: كيف يكون هذا الفضل العظيم بهذا العمل القليل: "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها" وهذا يدل