التحريف يأباه سياق اللفظ، يقول الرسول:"ينزل ربنا إلى سماء الدنيا فيقول: من يدعوني "ينزل فيقول" هل الرحمة تقول هذا الكلام؟ لا، الأمر لا يقول هذا الكلام، الملك لا يقول هذا الكلام، لا يقول الملك: من يدعي فأستجيب له؟ إنما الذي يقول الرب - سبحانه وتعالى-، وأيضًا نزول رحمة الله تعالى وأمره لا تختص بالسماء الدنيا، يدبر الأمر من السماء إلى الأرض وليس إلى السماء الدنيا، ثم أي فائدة لنا إذا نزلت الرحمة إلى السماء الدنيا ولم تنزل إلى الأرض فتعمنا.
فالحاصل: أن الذين حرفوا ذلك قالوا: ينزل أمره حوموا -والعياذ بالله- من طعم معنى هذا الحديث وشعور الإنسان بقرب الرب منه (عز وجل)، ولكنه -سبحانه وتعالى- مع كونه ينزل إلى السماء الدنيا هو قريب في علوه قريب عال فوق سمواته، وعلى عرشه؛ لأن الله ليس كمثله شيء في صفاته، فلهذا قال الرسول (صلى الله عليه وسلم): "أفضل الصلاة بعد المكتوبة صلاة الليل"، لهذه المعاني وغيرها.
وأما كيفية صلاة الليل فهي مثنى مثنى، كما قال النبي (صلى الله عليه وسلم): "صلاة الليل مثنى مثنى"، يعني: على ركعتين ركعتين، ويستثنى من ذكر الوتر، إذا أوتر بثلاث فله أن يقرنها بسلام واحد، وبتشهد واحد، وإذا أوتر بخمس فالأفضل أن يقرنها جميعًا بسلام واحد وتشهد واحد، وإذا أوتر بسبع فالأفضل أن يقرنها كلها بسلام واحد وتشهد واحد، وإذا أوتر بتسع فإنه يقرنها كلها بسلام واحد، لكن بتشهدين التشهد الأول في الركعة الثامنة والتشهد الأخير في الركعة التاسعة، وإذا أوتر بإحدى عشرة صلى ركعتين ركعتين، كما كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) يفعل، وكذلك صلاة النهار مثنى مثنى ليس فيها صلاة رباعية غير الفرائض.
ويستفاد من هذا الحديث: أن حديث عائشة التي قالت فيه لما سئلت عن كيفية صلاة الرسول (صلى الله عليه وسلم) في رمضان: "ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعًا فلا تسأل عن طولهن وحسنهن، ويصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ويصلي ثلاثًا"، فإن ظاهر هذا الحديث أنه يصلي أربعًا بسلام واحد، ولكنه يحمل هذا المطلق على المقيد، ويقال: يصلي أربعًا لكن بسلامين وتشهدين؛ لأن صلاة الليل مثنى مثنى، ولكن كأنها تريد أنه يصلي أربعًا، ثم يصلي ثم يصلي أربعًا آخر، وبهذا تجتمع الأدلة.
وأما عدد ركعات الليل، فعدد ركعات الليل لم يكن فيها توقيف عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) يقول لا تزيد ولا تنقض، ولكن كان فعله (صلى الله عليه وسلم) أنه لا يزيد على إحدى عشرة ركعة، فيصلي الإنسان نشاطه، والأفضل إذا كان معه وقت ونشاط أن يطيل النشاط حتى لا تتجاوز في العدد إحدى