للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكون الرسول صلي الله عليه وسلم هو الذي ستره ولم يعينه سترًا عليه أيضًا، وعلي كل حال: فالمقصود هو المعني دون الشخص، وهو أنه لا ينبغي للإنسان إذا فعل عبادة من العبادات أن بقطعها، فإن أحب العمل إلي الله أدومه وإن قل بل يديم العمل؛ لأن كونه يقطع العمل الصالح بعد أن تلبس به قد يفتح له باب التهاون في جميع الأعمال الصالحة ويدع أحيانًا من الرواتب، فالذي ينبغي أن يمرن الإنسان نفسه علي العبادة ويستمر عليها ولو كانت قليلة ففيها خير وبركة.

٣٦٢ - وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوتروا يا أهل القرآن، فإن الله وتر يحب الوتر". رواه الخمسة، وصححه ابن خزيمة.

هذا الحديث فيه أمر أهل القرآن أن يوتروا، وخص أهل القرآن؛ لأن أهل القرآن هم الذين يقيمون الليل بكتاب الله عز وجل، كما قال الله تعالي: {أمن هو قانت أناء الليل ساجدًا وقائمًا يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه} [الزمر: ٩]، وقال تعالي: {إن الذين يتلون كتب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرًا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ٢٩} [فاطر: ٢٩].

وقوله: "إن الله وتر" يعني: واحدا- سبحانه وتعالي- لا شريك له في إلوهيته ولا في ربوبيته، ولا في أسمائه وصفاته، وقوله: "يحب الوتر"، فيه إثبات محبة الله صلى عز وجل، وأن من صفاته أنه يحب، ومحبة الله تعالي تتعلق بالأعمال، وتتعلق بالأماكن، وتتعلق بالعاملين أيضًا: {إن الله يحب المتقين ٤} [التوبة ٤]، {إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفًا} [الصفا: ٤]، وأحب الأعمال إلي الله كذا كذا، وأحب البقاع إلي الله مساجدها، فمحبة ثابتة حقًا، وقوله: "يحب الوتر" ليس معني ذلك أن الإنسان يوتر في كل شيء، ولكن المعني: أنه عز وجل يحب الوتر، فيشرع ما شاء علي وتر، ويخلق ما شاء علي وتر، فالسموات سبع، والأرضون سبع، والصلوات خمس، وتختم بالوتر، وصلاة الليل، وصلاة النهار، ولكن هذا المعني: أن الإنسان يقتصد الإيتار في كل شيء، حتى نقول: إن أردت أن تأكل فكل وترًا، إذا أردت أن تمشي فامش وترًا، إذا أردت لبس الثياب وترًا، وما أشبه ذلك؟ لا؛ لأن هذه أمور من العبادات تتوقف علي ورود الشرع بها، ولهذا قال أنس رصي الله عنه لما حكي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه كان لا يخرج لصلاة عيد الفجر حتى يأكل تمرات. قال: "ويأكلهن وترًا"، فلو كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعتاد الإيتار في كل ما يأكل لم يكن هناك حاجة إلي أن يذكر أنس أنه يأكلهن في ذلك اليوم وترًا؛ لأنه لو كان هذا من عادته لكان ذلك ثابتًا في تمرات يوم العيد وغيرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>